وإليكم أقوال العلماء في تلك العبارة:
ويُجيبُ عن هذا الاعتراضِ الشيخُ الكيرانوي في كتابِه “فوائدٌ في علومِ الفقِه”، فيقولُ: “هذا هو منشأُ ظنِّكُم الفاسدِ، واعتقادِكمُ الباطلِ أنَّا نُرجِّحُ قولَ الإمامِ على قولِ اللهِ ورسولِه مع أنّ الأمرَ ليس كذلك، وحقيقةُ الأمرِ أنَّ ظهورَ قولِ اللهِ ورسولِه على خلافِ قولِ الإمامِ موقوفٌ على أمرين:
أحدُهما: أن يعلمَ أنّ ذلك قولَ اللهِ والرسولِ.
والثاني: أن يعلمَ أنّه مخالفٌ لقولِ الإمامِ.
ولا عِلمَ عندَ المُقلِّدِ بأحدٍ من هذينِ الأمرين؛ لأنَّ هذا العِلمَ موقوفٌ على الاستدلالِ، والمقلِّدُ إما لا يقدرُ عليهِ أصلاً، أو يكونَ استدلالُه غيرَ قابلٍ للاعتبارِ شرعاً، كاستدلالِ مَن استدلَّ على وجوبِ الغسلِ على المشجوجِ بآيةِ التيمّمِ.
وإذا كان الأمرُ كذلك فكيفَ يمكنُ لهُ أن يُحكمَ على المجتهدِ بأنّه خالفَ حكمَ اللهِ ورسولِه باجتهادِ نفسِه؟ وإذا لم يمكن ذلك فكيفَ يتركُ قولَه للمخالفةِ؟
فالحاصلُ: أنّ عدمَ تركِ المقلّدِ قولَ الإمامِ للحديثِ وغيرِه؛ ليس لأنَّ قولَ الإمامِ راجحٌ عندَه على قولِ اللهِ والرسولِ حاشاه من ذلك، بل لأجلِ أنّه لم يثبت عندَه مخالفةُ الإمامِ للهِ والرسولِ.
فإن قلتَ: إن كانَ لا يعلمُ هو المخالفةَ بنفسِه، فنحنُ والعلماءُ الآخرون معنا نُعْلِمُه بأنَّ إمامَهُ خالفَ الحديثَ.
قلنا: إن صدَّقكم في هذا القولِ بالاستدلالِ فهو ليس بأهلٍ للاستدلالِ، ولا يُعتمَد على صحَّةِ استدلالِه فكيفَ بالتصديقِ؟ وإن صدّقَكُم بدونِ حجَّةٍ يكونُ مُقلِّداً لكم، وليس أحدُ التقليدَين أولى من الآخرِ، فكيف يتركُ تقليدَهُ السابق، ويرجعُ إلى تقليدِكم، فانكشَفَ غبارُ الطعنِ واللجاجِ، وللهِ الحمدُ”
فوائد في علوم الفقه ص30.
“فتاوي المجتهدين بالنسبة إلى العوام كالأدلة الشرعية بالنسبة إلى المجتهدين، والدليل عليه أن وجود الأدلة بالنسبة إلى المقلدين وعدمها سواء إذ كانوا لا يستفيدون منها شيئًا، فليس النظر في الأدلة والاستنباط من شأنهم ولا يجوز ذلك لهم أبدا، وقد قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}،
والمقلِّد غير عالم، فلا يصح له إلا سؤال أهل الذكر، وإليهم مرجعه في أحكام الدين على الإطلاق، فَهُمْ إذًا القائمون له مقام الشارع وأقوالهم قائمة مقام الشارع”
الموافقات للشاطبي 4/292- 293
.