عهود أخذها الإمام الشهيد على محبيه
2023-02-274. حدثني عن الله: أنواع الخلق مع الحق سبحانه
2023-03-03
عندمَا وقعَ نظري عليهِ بادرَني بابتسامةٍ آسرَةٍ قابلْتُها بالمصافحةِ، وإذا بهِ يضعُ في يدي بطاقةً ملوّنةً يغلبُ عليها اللّونُ الأخضرُ ..
لم أُعِرِ البطاقةَ اهتمامي فقد كنتُ أنعمُ وأمعنُ النَّظرَ في وجههِ المنوَّرِ.
” السّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ ” قالَها بلكنَةٍ أدركْتُ منها أنَّ الرَّجلَ ليس عربيّاً .
في مساءِ ذلكَ اليومِ اجتمعْنا عند أحدِ الأحبابِ وإذا بضيفِ الشّرفِ هو ذاتُ الرّجلِ الذي رأيتُه ظُهرَ ذلكَ اليومِ في المسجدِ ..
إنَّه الرجلُ الكبيرُ والدّاعيةُ الحُجَّةُ الشّيخُ التّركيُّ الجليلُ ” نعمةُ اللهِ إبراحيم يورت ” هكذا بالحاءِ كما كتبَ اسمهُ على تلكَ البطاقةِ التي حدثتكم عنها .
البطاقةُ هي مفتاحهُ الذي يرصدهُ للولوجِ إلى القلوبِ ممّن يدعوهم إلى الإسلامِ، أو مِنَ المسلمينَ الّذين يذكّرهم بهويّتهم.
كتب عليها ” لا إلهَ إلا اللهُ محمّدٌ رسولُ اللهِ ” بثمانِ لغاتٍ حسبَ البطاقةِ التي أحتفظُ بها، وبتسعِ لغاتٍ (زادَ لغةً أخرى فيما بعدُ) .
رجلُ مقالتنا اليومَ إمامٌ في أحدِ مساجدِ المدينةِ المنوّرةِ ثلاثينَ عاماً، يتعهَّدُ زوَّارَ الحرَمَينِ منَ الأتراكِ خصوصاً، وغيرهم بالكلامِ عنِ اليقينِ باللهِ ومحبّةِ المَولى الجليلِ واتّباعِ الرّسولِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، مِن على كرسيٍّ وُضِعَ لهُ في حَرَمِ النَّبيِّ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم بالمدينةِ المنوّرةِ ..
استمرَّ حالهُ هكذا إلى أن مرَّ بهِ أحدُ الدّعاةِ قائلاً: يا شيخُ اليابانُ وكوريا دولَتانِ مُقبلتانِ على الإسلامِ حديثاً لِمَ لا تذهبُ إلى هناكَ …؟!!
ارتَحلَ الشّيخُ نعمةُ اللهِ إلى هناكَ هجرةً للهِ ورسولهِ ولِنُصرةِ الدّينِ والدّعوةِ إلى اللهِ.
لِيقيمَ في اليابانِ أربعينَ عاماً يدعو إلى اللهِ تعالى، فتغيَّرَ الحالُ هنا من مسجدَينِ حينَ حطَّ رِحاله فيها إلى ما يزيدُ عن 500 مسجدٍ ومصلّى .
حدّثنا من فمهِ الطّاهرِ عن أهلِ اليابانِ ويقولُ أهلُ اليابانِ مثلُ سحرةِ فرعونَ، أي أنّهم ذوو أخلاقٍ حَسنةٍ فإذا دخلوا في الإسلامِ ظهرَ الخيرُ الكبيرُ فيهم ومنهم، تماماً كسحرةِ فرعونَ عندما تأدّبوا مع سيّدنا موسى عليه السلام: {قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ} [طه: ٦٥]
ثمَّ بعدَ ذلكَ آمنوا، وقالُوا لِفرعونَ: {إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: ٧٢]
لقد حدَّثنا الشيخُ رحمهُ اللهُ تلكَ اللّيلةَ عن كثيرٍ من زياراته للحاناتِ في أوروبا من أبناءِ المسلمينَ الّذينَ غفلوا عن دينهم وإسلامهم ( فالشيخُ خلال إقامتِهِ في اليابانِ كانَ لهُ رحلاتٌ دعويَّةٌ غطَّتْ أكثرَ من 50 بلداً في العالمِ) .
لكنَّ أشهرَ هذهِ اللّقاءاتِ هي تلكَ القصّةُ التي دخلَ فيها أحدَ حاناتِ ألمانيا، ووقفَ مُخاطباً أولئك السّكارى برحمةِ ولينِ الدّاعي المشفقِ على الناسِ من أن يُعذَّبوا في نارِ جهنّمَ .
بلباسهِ الإسلاميِّ ناصعِ البَياضِ ولِحيته البيضاءِ الطّاهرةِ وقَفَ أمامهم مُنادياً السّلامُ عليكم أيُّها المجاهدونَ…!!
نظرَ بعضهم إلى بعضٍ ثمَّ أجابوا أينَ المجاهدونَ، وأينَ نحنُ منهم ؟؟
فقالَ الشيخُ مؤكّداً كلامَهُ بالطّبعِ أنتم كذلكَ لثلاثةِ أمورٍ:
أوّلها: أنكم تمشونَ هنا بأسمائِكم الإسلاميّة: أحمد، محمد، خليل، سعيد ….
ثانيها: جئتم إلى هنا لكسبِ الرّزقِ الحلالِ لآبائكم وأبنائكم وهذا أيضاً جهادٌ.
ثالثها: أنَّ أسلافَكم العثمانيّين كانوا مُجاهدين فأنتم أحفادُ المجاهدينَ.
ثمَّ أردفَ الشّيخُ قائلاً: إنّي قادمٌ من المدينةِ المنوّرةِ وقد أتيتُ لكم ببشارةٍ من هناك، وهي قولُ رسولِ الله صلّى الله عليه وسلم: (مَن قالَ لا إلهَ إلا اللهُ محمّدٌ رسولُ اللهِ دخلَ الجنَّةَ) وكذلكَ فإنَّ اللهَ يأجرني بسببكم، وهنا ردَّد الجميعُ لا إلهَ إلا اللهُ محمّدٌ رسولُ اللهِ ..
قالَ الشيخُ إنّي أعظُ النّاسَ في المساجدِ منذُ سنينَ طويلةٍ وكانَ يُفترضُ بي أن أزوركم وأبلغكم دعوةَ الأنبياءِ الّذينَ كانوا يأتونَ نواديهم ويدعونَهم لدينِ الحقِّ ..
بدأَ الجميعُ بالبكاءِ والنّحيبِ وهم يقولونَ يا شيخُ تكلّم تكلّم اجلسْ إلينا ..
ولكن كيفَ يجلسُ الشّيخُ معهم وهم على طَاولةِ الشّراب ..
هلمّوا معي جميعاً إلى المسجدِ ….
ولكن يا شيخُ كيفَ نذهبُ ونحن سُكارى ومنّا مَن هو جُنب ؟
قال الشيخ: الجُنُبُ يغتسلُ في مكانِ الاغتسالِ بالمسجدِ نَعم الماءُ باردٌ ولكن كما قلتُ إنّكم مجاهدونَ والاغتسالُ بالماءِ الباردِ شتاءً جهادٌ ..
والسكرانُ الثقيلُ في السُّكرِ يحملهُ اثنانِ خفيفانِ ..
بدأَ الواحدُ يشجّعُ الآخرَ للذّهابِ إلى المسجدِ وهم يردّدونَ لِنذهب إلى المسجدِ ألسنا مسلمين ؟؟
بدأَ الشيخُ يقودُ الأربعينَ رجلاً إلى المسجدِ منهم من دخلَ المسجدَ ومنهم مَن جلسَ خارجهُ ينتظرُ والشيخُ يقرأُ ويترجمُ:
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: ٥٣]
ثمَّ قالَ بعضهم: يا شيخُ أقرباؤُنا في خمّاراتٍ أخرى، تعالَ بنا يا شيخُ نذهب إليهم ….
مرَّ على هذهِ القصةِ ثلاثُ سنواتٍ، وبينما الشيخُ جالسٌ في مسجدِ الرّسول صلّى اللهُ عليهِ وسلّم فإذا برجلٍ تركيِّ بعمامةٍ وجبّةٍ ولحيةٍ يسلّمُ عليهِ قائلاً :
هل تعرِفُني يا شيخُ نعمةُ الله ؟؟؟؟
أجابَ الشيخُ: كيفَ لا أعرفُكَ، وأنا زرتُ أكثرَ مدنِ تركيا وقراها، وربما أنتَ أحدُ الأئمّةِ أو المُفتينَ في أحدِ تلكَ المدنِ.
قالَ الرجلُ أنا أعرفُك جيداً وأنتَ لو تبقى ألفَ سنَةٍ لا تعرفُني، أنا آخرُ سكرانٍ في برلين، خرجْتُ من الخمارةِ يحملني اثنانِ وتوجَّهنا صوبَ المسجدِ، وكنتَ أنتَ تُشفقُ عليَّ، فمَسحْتَ رأسي وقلْتَ: ( أنتَ غالي عندَ اللهِ يقبلكَ في بيتِهِ ) .
كنتُ ثملاً ولكنّي عقلْتُ كلامَكَ،، انتظرْتُ خارجَ المسجدِ إلى أن صحوتُ، اغتسلتُ وصلّيتُ وتبْتُ إلى اللهِ منذُ ذلكَ الحينِ وأنا أداومُ على الصّلاةِ والعباداتِ وزوجتي تحجّبَت وجئنا إلى العمرةِ ووُفِّقنا للقائكَ .
هذه واحدةٌ من عشراتِ القصصِ التي حصلت مع الشيخِ نعمة الله خلالَ جولاته في مشارقِ الأرضِ ومغارِبها .
لقد دخلَ في الإسلامِ ببركةِ دعوةِ الشيخِ ما يزيدُ على 100.000 إنسانٍ في اليابانِ وغيرها، فضلاً عمَّن تابَ إلى الله من المسلمينَ.
وتغيَّرت حالُ اليابانِ كما ذكرْتُ آنفاً من مسجدَينِ أولَ ما دخَلَها الشيخُ لتزيدَ المساجدُ فيها وخلالَ عشرينَ سنةٍ فقط على أكثر من 500 مسجدٍ ومصلى .
ختاماً يقولُ النبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ( مَن دعا إلى هدىً كانَ لهُ من الأجرِ مثلَ أجورِ مَن تَبِعَهُ، لا ينقصُ ذلكَ من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالةٍ كانَ عليهِ مِنَ الإثمِ مثلَ آثامِ مَن تَبِعَهُ لا ينقصُ ذلكَ من آثامهم شيئاً ). [رواه الإمام مسلم].
اللهمَّ اجعلنا مفاتيحَ للخيرِ مغاليقَ للشرِّ يا أرحمَ الرَّاحمينَ .