الشبهة وردها بالفصيل:
دعوى وجوبِ عملِ المرأةِ لأنّها نصفُ المجتمعِ:
الشبهة:
يقولُ المنادونَ بتحريرِ المرأةِ: يجبُ أن تشتغلَ المرأةُ لأنّها نصفُ المجتمعِ، وحتى يكملَ النصفُ الآخرُ، فتزداد الثروةُ الوطنيةُ، وحبسُها بينَ أربعةِ جدران ٍفيه هدرٌ لكرامَتِها وشلٌّ لحركتها وتعطيلٌ لطاقاتها ولنتاجها العلميِّ والعمليِّ والفكريِّ[1].
الرد:
1- لا ينازعُ أحدٌ يفقهُ أحكامَ الإسلامِ في أنَّ عقودَ المرأةِ وتصرفاتها التجاريّة صحيحةٌ منعقدةٌ لا تتوقّفُ على إجازةِ أحدٍ من وليٍّ أو زوجٍ. ولا ينازعُ أحدٌ في أنَّ المرأةَ إذا لم تجدْ من يعولُها من زوجٍ أو أقرباء ولم يقم بيتُ المالِ بواجبهِ نحوَها أنّه يجوزُ لها أن تعملَ لتكسبَ قوتَها[2]. 2- إنَّ المرأةَ ـ بوجهٍ عامٍ ـ في الإسلامِ لا يصحُّ أن تكلَّفَ بالعملِ لتنفقَ على نفسِها، بل على وليِّ أمرِها من أبٍ أو زوجٍ أو أخٍ أو غيرهم أن يقومَ بالإنفاقِ عليها لتتفرّغَ لحياةِ الزوجيّةِ والأمومةِ، وآثارُ ذلكَ واضحةٌ في انتظامِ شؤونِ البيتِ والإشرافِ على تربيةِ الأولادِ وصيانةِ المرأةِ من عبثِ الرجالِ وإغرائهم وكيدِهم، لتظلَّ لها سمعتها الكريمةُ النظيفةُ في المجتمعِ[3]. 3- راعى الإسلامُ طبيعةَ المرأةِ وما فُطرتْ عليهِ من استعداداتٍ، وقد أثبتَت الدراساتُ الطبيةُ المتعددةُ أنَّ كيانَ المرأةِ النّفسيِّ والجسديِّ قد خلقهُ اللهُ على هيئةٍ تُخالفُ تكوينَ الرّجلِ. وقد أثبتَ العلمُ أنَّ الخلافَ شديدٌ بينَ الرجلِ والمرأةِ ابتداءً من الخليّةِ، وانتهاءً بالأنسجةِ والأعضاءِ؛ إذ ترى الخلافَ في الدمِ والعظامِ وفي الجهاز التّناسليِّ والجهازِ العضليِّ وفي اختلافِ الهرموناتِ وفي الاختلافِ النّفسيِّ كذلكَ، فنرى إقدامَ الرّجلِ وصلابَتَهُ مقابلَ خفرِ المرأةِ وحيائِها، وجاءَت الأبحاثُ الحديثةُ لتفضحَ دعوى التماثلِ الفكريِّ بينَ الجنسينِ، ذلكَ أنَّ الصّبيانَ يفكّرونَ بطريقةٍ مغايرةٍ لتكفيرِ البناتِ، وتخزينِ القدراتِ والمعلوماتِ في الدماغِ يختلفُ في الولدِ عنهُ في البنتِ، ودماغُ الرجلِ أكبرُ وأثقلُ وأكثرُ تلافيفاً من دماغِ المرأةِ، وباستطلاعِ التاريخِ نجدُ أنَّ النابغينَ في كلِّ فنٍّ لا يكادُ يحصيهم مُحصٍ، بينما نجدُ أنَّ النابغاتِ من النساءِ معدوداتٌ في أيّ مجالٍ من هذه المجالاتِ[4]. 4- إنّ وظائفَ المرأةِ الفسيولوجيّةَ تعيقُها عن العملِ خارجَ المنزلِ، ويكفي أن ننظرَ إلى ما يعتري المرأةَ في الحيضِ والحملِ والولادةِ لنعرفَ أنَّ خروجَها إلى العملِ خارجَ بيتها يُعتبرُ تعطيلاً لعملها الأصليِّ ذاتِه، ويصادمُ فطرتها وتكوينها البيولوجيّ. فخلالَ الحيضِ مثلاً تتعرّضُ المرأةُ لآلامٍ شديدةٍ: أ- فتصابُ أكثرُ النساءِ بآلامٍ وأوجاعٍ في أسفلِ الظّهرِ وأسفلِ البطنِ. ب- ويصابُ أكثرهنَّ بحالةٍ من الكآبةِ والضّيقِ أثناءَ الحيضِ، وتكونُ المرأةُ عادةً متقلّبةَ المزاجِ سريعةَ الاهتياجِ قليلةَ الاحتمالِ، كما أنّ حالَتها العقليّةَ والفكريّةَ تكونُ في أدنى مستوىً لها. ح- وتصابُ بعضُ النساءِ بالصّداعِ النّصفيِّ قربَ بدايةِ الحيضِ، فتكونُ الآلامُ مبرحةٌ، تصحبها زغللةٌ في الرؤيةِ. د- ويميلُ كثيرٌ من النساءِ في فترةِ الحيضِ إلى العزلةِ والسّكينةِ، لأنّ هذهِ الفترةَ فترةُ نزيفٍ دمويٍّ من قعرِ الرّحمِ، كما أنّ المرأةَ تُصابُ بفقرِ الدّمِ الذي ينتجُ عن هذا النزيفِ. هـ- وتصابُ الغددُ الصمّاءُ بالتغيّرِ، فتقلُّ إفرازاتُها الحيويّةُ الهامّةُ للجسمِ، وينخفضُ ضغطُ الدّمِ ويبطأ النّبضُ، وتصابُ كثيرٌ من النساءِ بالدّوخةِ والكسلِ والفتورِ أثناءَ فترةِ الحيضِ. وأمَّا خلالَ فترةِ الحملِ والنّفاسِ والرّضاعِ فتحتاجُ المرأةُ على رعايةٍ خاصةٍ، حيثُ ينقلبُ كيانُها خلالَ فترةِ الحملِ فيبدأُ الغثيانُ والقيءُ، وتعطي الأمُّ جنينَها كلَّ ما يحتاجُ إليه من موادٍ غذائيّةٍ مهضومةٍ جاهزةٍ، ويسحبُ كلّ ما يحتاجُ إليهِ من موادٍ لبناءِ جسمهِ ونموّهِ حتى ولو تركَ الأمَّ شبحاً هزيلاً يعاني من لينِ العظامِ ونقصِ الفيتاميناتِ وفقرِ الدّمِ. وتضطربُ نفسيّةُ الأمِّ عادةً، وتصابُ في كثيرٍ من الأحيانِ بالقلقِ والكآبةِ لذلكَ يجبُ أن تُحاطَ بجوٍّ من الحنانِ والبعدِ عن الأسبابِ الّتي تؤدي إلى تأثُّرها وانفعالِها، وتنصحُ بعدم ِالإجهادِ، ويحثُّ الأطباءُ الأمهاتَ على أن يرضعنَ أولادهنَّ أطولَ مدةٍ ممكنةٍ، وفي أغلبِ الأحوالِ لا تزيدُ هذه المدّةُ عن ستةِ أشهرٍ نتيجةً للحياةِ النّكدةِ التي يعيشُها الإنسانُ في القرنِ العشرينِ[5]. 5- للمرأةِ في بيتِها منَ الأعمالِ ما يستغرقُ جهدهَا وطاقتَها إذا أحسنَت القيامَ بذلكَ خيرَ قيام: أ- فهي مطالبةٌ بتوفيرِ جوِّ الزّوجيّةِ النّديِّ بالمودّةِ والرّحمةِ، العبقِ بحسنِ العشرةِ ودوامِ الألفةِ، {هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف:189]. فليست المرأةُ متعةً جسديّةً يقصدُ من ورائِها الصّلةُ الجنسيّةُ فحسب، بل هي قبلَ ذلكَ وبعدَهُ روحٌ لطيفةٌ ونفسٌ شريفةٌ، يصلُ إليها زوجُها ينوءُ كاهلهُ بالأعمالِ، وتتكدّرُ نفسُهُ بما يلاقيهِ في عملهِ، فما يلبثُ عندها إلا يسيرًا وإذا بكاهلهِ يخف وبنفسه ترفّ، فتعودُ إلى سابقِ عهدِها من الأنسِ واللطفِ، والمرأةُ العاملةُ إن لم ينعدمْ منها هذا السكنُ فلا أقلَّ من أنّهُ يضعفُ كثيرًا. ب- وهي مطالبةٌ بالقيامِ بحقِّ الطّفلِ وحاجاتِهِ المتنوّعةِ. فهناكَ حاجاتٌ عضويّةٌ من الجوعِ والعطشِ والنظافةِ، وحاجةٌ إلى الأمنِ النّفسيِّ النّاتجِ من الاعتدالِ في النّقدِ، والمحافظةُ على الطّفلِ من عواقبِ الإهمالِ، وحاجاتٌ إلى التّقديرِ الاجتماعيِّ بعدمِ الاستهجانِ أو الكراهيةِ وعدمِ التّكليفِ بما لا يطيقُ. وهناك الحاجةُ إلى اللّعبِ، والحاجةُ إلى الحريّةِ والاستقلالِ. ج- وهي مطالَبةٌ بالقيامِ بشؤونِ البيتِ العاديّةِ، وهي تستغرقُ جهدًا كبيرًا. ومن العجيبِ أنَّ عملَ المرأةِ في البيتِ يُصنّفُ في ضمنِ الأعمالِ الشاقّةِ، فهو يتطلَّبُ مجهودًا كبيرًا علاوةً على ساعاتٍ طويلةٍ تتراوحُ بينَ 10 و12 ساعةً يوميًا. فهذه جوانبٌ كبيرةٌ لعملِ المرأةِ في المنزلِ، لا تستطيعُ الوفاءَ بها على وجهِ التّمام ِمع انشغالها الكبيرِ بالعملِ[6]. 6- من الآثارِ السلبيةِ على عملِ المرأةِ وخروجها من بيتِها: أ- آثارٌ على الطّفلِ: إنَّ المرأةَ العاملةَ تعودُ من عملِها مرهقةً متعبةً، فلا تستطيعُ أن تتحمّلَ أبناءَها، وقد يدفعُها ذلكَ إلى ضربهم ضربًا مبرحًا، حتّى انتشرَتْ في الغربِ ظاهرةُ الطفلِ المضروبِ، وظهرَ من إحدى البحوثِ التي أُجريت على نساءٍ عاملاتٍ أنَّ هناكَ 22 أثرًا تتعلّقُ بصحةِ الطفلِ، منها: الاضطرارُ إلى تركِ الطّفلِ مع من لا يرعاهُ، والامتناعُ عن إرضاعِ الطفلِ إرضاعًا طبيعيًا، ورفضُ طلباتِ الأطفالِ في المساعدةِ على استذكارِ الدروسِ، وتركُ الطّفلِ المريضِ في البيتِ أحيانًا. إنَّ من أعظمِ وأخطرِ أضرارِ عملِ المرأةِ على طفلِها الإهمالَ في تربيتِه، ومن ثمَّ تهيئةَ الجوِّ للانحرافِ والفسادِ، ولقد شاعَ في الغربِ عصاباتُ الإجرامِ من مدخّني الحشيشِ والأفيونِ وأربابِ القتلِ والاغتصابِ الجنسيِّ، وأكثرهم نتاجٌ للتربيةِ السيّئةِ أو لإهمالِ الأبوينِ. ب- آثارٌ سلبيةٌ على الزّوجِ، ومنها: مضايقةُ الزوجِ بغيابها عن البيتِ عندما يكونُ متواجدًا فيهِ، وإثارةُ أعصابهِ بالكلامِ حولَ مشكلاتِ عملِها مع رؤسائها وزملائها، وتألّمُ الزّوجِ بتركِ امرأتهِ له وحيدًا في حالاتِ مرضهِ الشّديدِ، وقلقُ الزوجِ من تأجيلِ فكرةِ إنجابِ طفلٍ آخرَ وغير ذلك. ج- آثارٌ سلبيةٌ على المجتمعِ، منها: – عملُ المرأةِ بدونِ قيودٍ يساهمُ مساهمةً فعّالةً في زيادةِ عدد ِالبطالةِ، فهي بعملها تكسبُ مالاً قد يضيعُ فيما لا فائدةَ فيه، ويُحرمُ من ذلك المالِ رجلٌ يقومُ على نفقةِ أسرةٍ كاملةٍ. – ساهمَ عملُ المرأةِ مساهمةً فعالة ًفي قضيّةِ العنوسةِ، فالمرأةُ التي ترغبُ العملَ لا توافقُ على زواجٍ قد يقطعها عن الدّراسةِ التي هي بريدُ العملِ، وإذا عزفَت عن الزواجِ في السنِّ المبكرِ فربما لا تجدُ من يتقدَّمُ لها بعدَ ذلك. – الحدُّ من عددِ الأولاد،ِ وذلكَ أمرٌ طبيعيٌّ عندَ المرأةِ التي تريدُ العملَ وتحتاجُ إلى الراحةِ، وقد وُجدَ من دراسةٍ أُجريتْ على 260 أسرةٍ عاملةٍ أنَّ 67.31% أطفالهنَّ من 1-3، و8.46% أطفالهنَّ من 4-6، و1.92% أطفالهنَّ من سبعة فما فوق[7]. |