التفصيل
حكم حرمان المرأة ( أختاً أو بنتاً أو زوجة أو غيرها ) من الميراث :
قال الله تعالى بعد آيات المواريث : { تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ يُدۡخِلۡهُ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ١٣ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُۥ يُدۡخِلۡهُ نَارًا خَٰلِدٗا فِيهَا وَلَهُۥ عَذَابٞ مُّهِينٞ ١٤ } [سورة النساء,١٣-١٤]
قال الإمام السيوطي في تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور:
” أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله { تِلْكَ حُدُود الله } يَعْنِي طَاعَة الله يَعْنِي الْمَوَارِيث الَّتِي سمى،وَقَوله { ويتعدَّ حُدُوده } يَعْنِي من لم يرض بقسم الله وتعدَّى مَا قَالَ.
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ { تِلْكَ حُدُود الله } بقول : شُرُوط الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير { تِلْكَ حُدُود الله } يَعْنِي سنة الله وَأمره فِي قسْمَة الْمِيرَاث { وَمن يطع الله وَرَسُوله } فَيقسم الْمِيرَاث كَمَا أمره الله { وَمن يعْصِ الله وَرَسُوله } قَالَ: يُخَالف أمره فِي قسْمَة الْمَوَارِيث { يدْخلهُ نَارا خَالِداً فِيهَا } يَعْنِي من يكفر بقسمة الْمَوَارِيث وهم المُنَافِقُونَ كَانُوا لَا يعدون أَن للنِّسَاء وَالصبيان الصغار من الْمِيرَاث نَصِيبا .
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد { وَمن يطع الله وَرَسُوله } قَالَ: فِي شَأْن الْمَوَارِيث الَّتِي ذكر قبل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة { تِلْكَ حُدُود الله } الَّتِي حدَّ لخلقه وفرائضه بَينهم فِي الْمِيرَاث وَالْقِسْمَة فَانْتَهوا إِلَيْهَا وَلَا تعدوها إِلَى غَيرهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج فِي قَوْله { وَمن يطع الله وَرَسُوله } قَالَ: من يُؤمن بِهَذِهِ الْفَرَائِض
وَفِي قَوْله { وَمن يعْص الله وَرَسُوله } قَالَ من لَا يُؤمن بهَا
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن ماجة وَاللَّفْظ لَهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( إِنَّ الرجلَ ليعْمَل بِعَمَل أهل الْخَيْر سبعين سنة فَإِذا أوصى حاف فِي وَصيته فيختم لَهُ بشر عمله فَيدْخل النَّار وَإِن الرجل ليعْمَل بِعَمَل أهل الشَّرّ سبعين سنة فيعدل فِي وَصيته فيختم لَهُ بِخَير عمله فَيدْخل الْجنَّة )
ثمَّ يَقُول أَبُو هُرَيْرَة: اقرأوا إِن شِئْتُم { تِلْكَ حُدُود الله } إِلَى قَوْله { عَذَاب مهين }
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَسَعِيد بن مَنْصُور عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( من قطع مِيرَاثاً فَرْضه الله قطع الله مِيرَاثه من الْجنَّة )
وَأخرج ابْن مَاجَه من وَجه آخر عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( من قطع مِيرَاث وَارثه قطع الله مِيرَاثه من الْجنَّة يَوْم الْقِيَامَة )
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث من وَجه ثَالِث عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( من قطع مِيرَاثا فَرْضه الله وَرَسُوله قَطَعَ اللهُ بِهِ مِيرَاثه من الْجنَّة )
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: ( إِن السَّاعَة لَا تقوم حَتَّى لَا يقسم مِيرَاث وَلَا يفرح بغنيمة عَدو )
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( مَنْ فَرَّ مِنْ مِيرَاثِ وَارِثِهِ، قَطَعَ اللهُ مِيرَاثَهُ مِنَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) أخرجه ابن ماجه في السنن من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه،
وأخرجه البيهقي في (شعب الإيمان) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ: ( مَنْ قَطَعَ مِيرَاثًا فَرَضَهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، قَطَعَ اللهُ بِهِ مِيرَاثًا مِنَ الْجَنَّةِ ) .
وقال تعالى تهديداً ووعيداً لمن يأكل أموال الغير بالباطل ومنها الاستيلاء على ميراث المرأة { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلۡيَتَٰمَىٰ ظُلۡمًا إِنَّمَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ نَارٗاۖ وَسَيَصۡلَوۡنَ سَعِيرٗا } [سورة النساء,١٠] “
قال الإمام القرطبي في تفسيره :
قَالَ الْجُمْهُورُ: ” إِنَّ الْمُرَادَ الْأَوْصِيَاءُ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ مَا لَمْ يُبَحْ لَهُمْ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ “.
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ” نَزَلَتْ فِي الْكُفَّارِ الَّذِينَ كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ وَلَا الصِّغَارَ ” .
قال الشيخ مصطفى الزرقا : ” فلو قسم الأب أمواله وسجلها لأولاده الذكور في حياته على سبيل الهبة والتمليك ولم يعط بناته فقد ظلم , وعلى الإخوة إن فعل والدهم ذلك أن يرفعوا الإثم عن أبيهم فيعطوا أخواتهم، وليس للبنات مطالبة أخوتهم بما سجل وأعطى أبوهم لهم قبل وفاته ” انتهى . –
[ كتاب ( فتاوى ) للشيخ مصطفى الزرقا ]
قال الدكتور شوقي علام مفتي مصر، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم : ” إن حرمان الإناث من الميراث مخالف لأحكام الميراث الشرعية الربانية، بل هو من مواريث الجاهلية التي جاء الإسلام باجتثاثها وإهالة التراب عليها إلى الأبد، وهذا الحرمان هو من أكل أموال الناس بالباطل، وهو من كبائر الذنوب التي تَوَعَّد عليها الله تعالى مرتكبها بشديد العذاب ” .
قال الشيخ عبد الحليم محمود في فتاواه في مَنْع المرأة من حقها في الميراث :
” المسائل التي تكون عادةً مَثار نِزاع في المجتمع أو بين أفراد الأسرة الواحدة قد فُصِّلت في القرآن تفصيلًا تامًّا، ووُضِّحت في صورة سافرة لا لُبْس فيها. ومن ذلك موضوع الميراث .
لقد بيَّن القرآن الأنصِبَة مُحَدَّدة في مختَلَف الحالات والظروف، فأبان نصيب الزوجة حينما يكون للمتوفَّى أولاد، ونصيبها حينما لا يكون له أولاد، وبيَّن الحالات التي فيها الأم، والبنت، والأخت، وهكذا.
مع بيان الأنصبة بتحديد مُحَدَّد، وهذا يُعتَبَر معلومًا من الدين بالضرورة، فمَن جحَده إنكارًا له أو جحدَه غير مُعتَرِف بعدالته، أو جحده، مُفَضِّلًا غيره من التشريعات عليه فإنه يكون بذلك قد خرج عن محيط المِلَّة الإسلامية.
إن القرآن لَيَصِف أمثال هؤلاء الذين يخرجون على قوانين الله ـ سبحانه ـ بأنهم ظالمون، وبأنهم فاسقون، بل بأنهم كافرون.
ومن أجل أن لا يقع الإنسان تحت طائلة غضَب الله، يجب عليه أن يُعطي المرأة نصيبها الذي حدَّده الله لها ”
[ فتاوى عبد الحليم محمود ]
وقال د. يوسف في فتاويه : ” فلا يحل لوالد أن يحرم بعض أولاده من الميراث، ولا يحل له أن يحرم الإناث أو يحرم أولاد زوجة غير محظية عنده، كما لا يحل لقريب أن يحرم قريبه المستحق من الميراث بحيلة يصطنعها، فإن الميراث نظام قرره الله تعالى بعلمه وعدله وحكمته، وأعطى به كل ذي حق حقه، وأمر الناس أن يقفوا فيه عند ما حدده وشرعه، فمن خالف هذا النظام في تقسيمه وتحديده فقد اتهم ربه … { يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ أَن تَضِلُّواْۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمُۢ } [سورة النساء,١٧٦]
فمن خالف عما شرع اهلل في الميراث فقد ضل عن الحق الذي بينه اهلل , واعتدى على حدود اهلل عز وجل , فلينتظروا وعيد الله : { نَارًا خَٰلِدٗا فِيهَا وَلَهُۥ عَذَابٞ مُّهِينٞ } [سورة النساء,١٤]
قال الدكتور أحمد عمر هاشم، الرئيس الأسبق لجامعة الأزهر وعضو هيئة كبار العلماء : ” الإسلام كفل للمرأة كل حقوقها المادية والمعنوية. ورسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بالمرأة خيراً وحارب التقاليد الظالمة التي سادت في الجاهلية والتي حرمت المرأة من كثير من حقوقها.. مادية كانت أم معنوية ” .
ويضيف قائلاً : ” الرجال ليسوا الأحق بأملاك الأسرة من النساء كما يعتقد أو يتوهم البعض، وكل فرد من أفراد الأسرة – ذكراً كان أو أنثى – ينبغي أن يحصل على حقوقه الشرعية وفق ما قرر الخالق سبحانه، وأي تعديل أو حرمان للمرأة من حقها في الميراث الشرعي هو عدوان صارخ على شرع الله يجب أن تقف كل المؤسسات الدينية والقضائية في وجهه إقراراً للحق والعدل وتحقيقاً لاستقرار المجتمع ” .
ويقول : ” واجبنا التصدي لمن يتجرؤون على حدود الله ويبغونها عوجاً وهم في الحقيقة يأكلون أموال الناس بالباطل ويقطعون الأرحام بهذه المظالم، فهم هنا يأكلون أموال أخواتهم اليتيمات، وقد توعدهم الله تعالى ضمن ما توعد الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً في قوله عز وجل { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلۡيَتَٰمَىٰ ظُلۡمًا إِنَّمَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ نَارٗاۖ وَسَيَصۡلَوۡنَ سَعِيرٗا } . ولهذا يجب ردعهم بكل وسائل الردع حتى ولو كانت بالسجن أو الغرامة .