إن العلماء قد اختلفوا في الأفضل في صيامها هل هو التتابع أو التفريق؟
فذهب الحنفية إلى أفضلية التفريق؛ قال الإمام الحصكفي الحنفي في “الدر المختار” (ص: 151، ط. دار الكتب العلمية): [(وندب تفريق صوم الست من شوال)، ولا يكره التتابع على المختار] اهـ.
وجاء في “بدائع الصنائع” للإمام الكاساني (2/ 78، ط. دار الكتب العلمية): [قال أبو يوسف: كانوا يكرهون أن يتبعوا رمضان صومًا؛ خوفًا أن يلحق ذلك بالفرضية.. والإتباع المكروه هو: أن يصوم يوم الفطر، ويصوم بعده خمسة أيام، فأما إذا أفطر يوم العيد، ثم صام بعده ستة أيام، فليس بمكروه، بل هو مستحب وسنة] اهـ.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أفضلية التتابع؛ قال العلامة الخطيب الشربيني الشافعي في “مغني المحتاج” (2/ 184، ط. دار الكتب العلمية): [يستحب لمن صام رمضان أن يتبعه بستٍّ من شوال كلفظ الحديث، وتحصل السنة بصومها متفرقةً، (و) لكن (تتابعها أفضل) عقب العيد؛ مبادرةً إلى العبادة، ولما في التأخير من الآفات] اهـ.
وجاء في “شرح منتهى الإرادات” من كتب الحنابلة (1/ 493، ط. عالم الكتب): [(و) سن صوم (ستة من شوال، والأولى تتابعها، و) كونها (عقب العيد)] اهـ.
قال الدردير في شرحه لكتاب أقرب المسائل “الشرح الصغير” (١/ ٦٩٢، ط. دار المعارف): وكُرِه تعيين الثلاثة البيض الثلاثة عشر وتالياه، فرارًا من التحديد، كستة من شوال إن وصلها بالعيد مظهرًا لها، لا إن فرَّقها، أو أخَّرها، أو صامها في نفسه خفية، فلا يكره؛ لانتفاء علَّة اعتقاد الوجوب.
وقد جاء في “الموطأ” (ص: 310، ط. دار إحياء التراث العربي): [قال يحيى: وسمعت مالكًا يقول في صيام ستة أيام بعد الفطر من رمضان: إنه لم ير أحدًا من أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف، وإن أهل العلم يكرهون ذلك ويخافون بدعته، وأن يلحق برمضان ما ليس منه أهلُ الجهالة والجفاء لو رأوا في ذلك رخصة عند أهل العلم ورأوهم يعملون ذلك] اهـ.
وواضح من كلامه أن الكراهة عنده معللة بالخوف من أن يظن جهال العوام أن هذه الأيام ملحقة برمضان، فإذا انتفت تلك العلة تنتفي الكراهة.
وسد الذرائع أصل من أصول مذهب الإمام مالك، وقد رأى رضي الله عنه سد ذريعة الزيادة في العبادة بالمنع الذي ذكره؛ قال الإمام أبو بكر بن العربي المالكي في “القبس” (1/ 485، ط. دار الغرب الإسلامي) -معللًا تصرف الشارع في المباعدة بين الصوم التطوعي وأول شهر رمضان-: [احترازًا مما فعل أهل الكتاب؛ لأنهم كانوا يزيدون في صومهم على ما فرض الله عليهم أولًا وآخرًا، حتى بدَّلوا العبادة، فلهذا لا يجوز استقبال رمضان ولا تشييعه من أجله] اهـ.