اتَّفقَتْ فقهاءُ المذاهبِ الأربعةِ ( الحنفيةِ والمالكيةِ والشافعيةِ والحنابلةِ على الصحيحِ في المذهبِ) على حُرمَةِ دخولِ المسجدِ للحائضِ لصلاةِ فرضٍ أو نفلٍ، أو حتَّى ولو دعَتِ الحاجةُ إلى دخولِها، كأنْ كانَتْ تُعلِّمُ القرآنَ أو تتعلَّمَهُ، أو تعملُ في المسجدِ ككنسِهِ وتنظيفِهِ.
قالَ الشربيني: “فلو دخلَتِ (الحائضُ) وكنسَتْ عصَتْ، ولمْ تستحق أُجرةً، وفي معنى خِدمَةِ المسجدِ تعليمُ القرآنِ” مغني المحتاج
واستَدلوا بقَوْلِهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِجُنُبٍ وَلَا حَائِضٍ» رواهُ أبو داود والبيهقي والبخاري في “التاريخ الكبير”
وعلَّلَ الفقهاءُ تحريمَ دخولِها خشيةَ تلويثِ المسجدِ بعذرِها وقالوا: “لِأَنَّ مَا بِهَا مِنْ الْأَذَى أَغْلَظُ مِنْ الْجَنَابَةِ، وَالْجُنُبُ مَمْنُوعٌ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ فَكَذَلِكَ الْحَائِضُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَكَانُ الصَّلَاةِ فَمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ مَمْنُوعٌ مِنْ دُخُولِهِ”.المبسوط
وقدِ استثنى الفقهاءُ دخولَ الحائضِ المسجدَ في أحوالٍ:
وأمَّا أقوالُ بعضِ الفقهاءِ في جوازِ دُخولِ الحائضِ المسجدَ هي أقوالٌ مرجوحٌ في المذاهبِ وغيرُ معتمدةٍ، ولا يُفتَى بها لأنَّها تُخالفُ ما اتَّفقَ عليهِ الجمهورُ الأئمةُ الأربعةُ في المعتمدِ مِنْ أقوالِهم.
ويَنصحُ بعضُ الفقهاءِ المعاصرين ببناءِ مَكانٍ مُخصصٍ لا يُدخلُهُ الواقفُ في نيّتِهِ للمسجدِ بلْ يَجعلُهُ مُخصصاً للنِّساءِ المعذوراتِ بدخولِهنَّ هذا المكانِ وتلقيهنَّ للعلمِ الشّرعيّ المفروضِ عليهنّ.
ومعَ سهولةِ التَّواصلِ وتسجيلِ الدّروسِ والبَثِّ المباشرِ لدروسِ أهلِ العِلمِ ما يُغني عنِ الأخذِ بأقوالٍ ضعيفةٍ وشاذّةٍ، وقد وجدَتْ بعضُ الدَّاعياتِ من أهلِ العلمِ حفظَ حديثِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في فترةِ عُذرِ الفتياتِ بدلَ حفظِهنَّ للقرآنِ، ويتمُّ تسجيلُ الحفظِ وتسميعُهُ عبرَ الوتس فلا تنقطِعُ الفتاةُ بذلكَ عن دورتِها القرآنيّةِ. واللهُ أعلمُ.
ذَهبَ جمهورُ الفقهاءِ من المذاهبِ الأربعةِ إلى أنَّهُ لا يجوزُ للحائضِ أنْ تَمكُثَ في المسجدِ، واستدلوا على ذلكَ بما رواهُ البخاري (974) ومسلم (890) عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَت: ( أَمَرَنَا تَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَ فِي الْعِيدَيْنِ الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، وَأَمَرَ الْحُيَّضَ أَنْ يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ) فَمنعَ النّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم الحائضَ من مصلى العيدِ، وأمرَها باعتزالِه، لأنَّ لهُ حُكمَ المسجدِ، فدلَّ على منعِها من دُخولِ المسجدِ >
قال في الموسوعة الفقهية الكويتية (20/ 243)
دُخُول الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ الْمَسْجِدَ :
لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ دُخُول الْمَسْجِدِ ، وَالْمُكْثُ فِيهِ وَلَوْ بِوُضُوءٍ . وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْجُنُبِ سَوَاءٌ أَكَانَ رَجُلاً أَمِ امْرَأَةً ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : جَاءَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبُيُوتُ أَصْحَابِهِ شَارِعَةً فِي الْمَسْجِدِ ، فَقَال : وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ ، فَإِنِّي لاَ أُحِل الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلاَ جُنُبٍ .
وَاسْتَثْنَى الْفُقَهَاءُ الدُّخُول فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إِذَا كَانَ لِلضَّرُورَةِ كَالْخَوْفِ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ ، أَوْ كَأَنْ يَكُونَ بَابُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَلاَ يُمْكِنُهُ تَحْوِيلُهُ وَلاَ السُّكْنَى فِي غَيْرِهِ .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى جَوَازِ مُرُورِ الْجُنُبِ فِي الْمَسْجِدِ لِحَاجَةٍ أَوْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ . وَالأْوْلَى عَدَمُ الْعُبُورِ إلاَّ لِحَاجَةٍ خُرُوجًا مِنْ خِلاَفِ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَكَذَلِكَ جَوَازُ مُرُورِ الْحَائِضِ بِشَرْطِ أَنْ تَأْمَنَ تَلْوِيثَ الْمَسْجِدِ فَإِنْ خَافَتْ تَلْوِيثَهُ حَرُمَ عَلَيْهَا الْمُرُورُ .
وَبِجَوَازِ مُرُورِ الْجُنُبِ فِي الْمَسْجِدِ قَال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ .
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلاَ جُنُبًا إلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ } أَيْ لاَ تَقْرَبُوا مَوَاضِعَ الصَّلاَةِ لأَِنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلاَةِ عُبُورُ سَبِيلٍ إنَّمَا الْعُبُورُ فِي مَوْضِعِ الصَّلاَةِ وَهُوَ الْمَسْجِدُ .
كَمَا اسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال : كَانَ أَحَدُنَا يَمُرُّ فِي الْمَسْجِدِ جُنُبًا مُجْتَازًا ” وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ : إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ .
وَذَهَبَ الْمُزَنِيّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ إِلَى جَوَازِ مُكْثِ الْجُنُبِ فِي الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا . مُسْتَدِلِّينَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُسْلِمُ لاَ يَنْجُسُ وَبِأَنَّ الْمُشْرِكَ يَمْكُثُ فِي الْمَسْجِدِ ، فَالْمُسْلِمُ الْجُنُبُ أَوْلَى ، وَبِأَنَّ الأَْصْل عَدَمُ التَّحْرِيمِ وَلَيْسَ لِمَنْ حَرَّمَ دَلِيلٌ صَحِيحٌ صَرِيحٌ”
نصوص الفقهاء:
الحنفية:
قال السرخسي: وَمِنْهَا أَنْ لَا تَدْخُلَ الْمَسْجِدَ؛ لِأَنَّ مَا بِهَا مِنْ الْأَذَى أَغْلَظُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْجُنُبُ مَمْنُوعٌ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ فَكَذَلِكَ الْحَائِضُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَكَانُ الصَّلَاةِ فَمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ مَمْنُوعٌ مِنْ دُخُولِهِ. المبسوط ج٣ /١٥٣
قال في حاشية ابن عابدين:
(وَيَحْرُمُ بِالْحَدَثِ) (الْأَكْبَرِ دُخُولُ مَسْجِدٍ) لَا مُصَلَّى عِيدٍ وَجِنَازَةٍ وَرِبَاطٍ وَمَدْرَسَةٍ، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي الْحَيْضِ وَقُبَيْلِ الْوِتْرِ، لَكِنْ فِي وَقْفِ الْقُنْيَةِ: الْمَدْرَسَةُ إذَا لَمْ يَمْنَعْ أَهْلُهَا النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهَا فَهِيَ مَسْجِدٌ (وَلَوْ لِلْعُبُورِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (إلَّا لِضَرُورَةٍ) حَيْثُ لَا تَيَمَّمَ نَدْبًا، وَإِنْ مَكَثَ لِخَوْفٍ فَوُجُوبًا، وَلَا يُصَلِّي وَلَا يَقْرَأُ. الدر المختار ( من الحاشية ج١ /١٧١)
قال ابن عابدين: (وَ) يَمْنَعُ حِلَّ (دُخُولِ مَسْجِدٍ) (قَوْلُهُ وَيَمْنَعُ حِلَّ) قَدَّرَ لَفْظَةَ حِلٍّ هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ الْمَنْعُ فِيهِ مِنْ الْحِلِّ وَالصِّحَّةِ فَلِذَا أَطْلَقَ الْمَنْعَ فِيهِ (قَوْلُهُ دُخُولِ مَسْجِدٍ) أَيْ وَلَوْ الْمَسْجِدُ مَدْرَسَةً أَوْ دَارًا لَا يَمْنَعُ أَهْلُهُمَا النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ وَكَانَا لَوْ أُغْلِقَا يَكُونُ لَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ وَإِلَّا فَلَا تَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الْمَسْجِدِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَحْثِ الْغُسْلِ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالْقُنْيَةِ. وَخَرَجَ مُصَلَّى الْعِيدِ وَالْجِنَازَةِ وَإِنْ كَانَ لَهُمَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ مَعَ عَدَمِ اتِّصَالِ الصُّفُوفِ، وَأَفَادَ مَنْعَ الدُّخُولِ وَلَوْ لِلْمُرُورِ، وَقَدَّمَ فِي الْغُسْلِ تَقْيِيدَهُ بِعَدَمِ الضَّرُورَةِ بِأَنْ كَانَ بَابُهُ إلَى الْمَسْجِدِ وَلَا يُمْكِنُهُ تَحْوِيلُهُ وَلَا السُّكْنَى فِي غَيْرِهِ، وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ الظَّاهِرَ حِينَئِذٍ أَنَّهُ يَجِبُ التَّيَمُّمُ لِلْمُرُورِ أَخْذًا مِمَّا فِي الْعِنَايَةِ عَنْ الْمَسْبُوطِ.
ج١ /٢٩١ و٢٩٢
المالكية
قال الخرشي: وَدُخُولَ مَسْجِدٍ أَيْ وَيَمْنَعُ الْحَيْضُ دُخُولَهَا الْمَسْجِدَ لِمُكْثٍ أَوْ مُرُورٍ وَيَنْدَرِجُ فِيهِ الِاعْتِكَافُ وَالطَّوَافُ وَلِذَلِكَ قَالَ (فَلَا: تَعْتَكِفُ وَلَا تَطُوفُ) لِأَنَّهُمَا كَالْمُسَبَّبِ عَمَّا قَبْلَهُ إذْ لَا يُوقَعَانِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ وَإِنَّمَا نَبَّهَ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يَكْتَفِ عَنْهُمَا بِمَنْعٍ بِدُخُولِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ قَدْ يُرَخَّصُ لَهَا فِي دُخُولِ الْمَسْجِدِ لِعُذْرٍ كَخَوْفِ سِبَاعٍ فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهَا تَعْتَكِفُ وَتَطُوفُ مُدَّةَ إقَامَتِهَا. شرح مختصر خليل
قال في الشرح الكبير للدردير وهو يعدد موانع الحيض: مَنَعَ (دُخُولَ مَسْجِدٍ) إلَّا لِعُذْرٍ كَخَوْفٍ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ (فَلَا تَعْتَكِفُ وَلَا تَطُوفُ)
قال الدسوقي
(قَوْلُهُ: فَلَا تَعْتَكِفُ وَلَا تَطُوفُ) لَيْسَا ضَرُورِيَّ الذِّكْرِ مَعَ قَوْلِهِ وَدُخُولُ مَسْجِدٍ
قال في مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل (1/ 551): “ودخول مسجد” ش: عده ابن رشد في المتفق عليه ولم يفصل بين المكث والمرور وظاهره أن الجميع متفق على منعه وقال اللخمي اختلف في دخول الحائض والجنب المسجد فمنعه مالك وأجازه زيد بن أسلم إذا كان عابر سبيل وأجازه محمد بن مسلمة جملة وقال لا ينبغي للحائض أن تدخل المسجد لأنها لا تأمن أن يخرج من الحيضة ما ينزه عنه المسجد ويدخله الجنب لأنه يأمن ذلك.”
الشافعية:
قال الإمام النووي: “يَحْرُمُ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ مَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ وَاللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ وَكُلُّ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَتَقَدَّمَتْ أَدِلَّتُهُ وَفُرُوعُهُ الْكَثِيرَةُ مَبْسُوطَةً فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَإِسْنَادُهُ غَيْرُ قَوِيٍّ وَسَبَقَ بَيَانُهُ هُنَاكَ وَأَمَّا عُبُورُهَا بِغَيْرِ لُبْثٍ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ أَكْرَهُ مَمَرَّ الْحَائِضِ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ خَافَتْ تَلْوِيثَهُ لِعَدَمِ الِاسْتِيثَاقِ بِالشَّدِّ أَوْ لِغَلَبَةِ الدَّمِ حَرُمَ الْعُبُورُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ أَمِنَتْ ذَلِكَ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا جَوَازُهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَكَثِيرُونَ وَصَحَّحَهُ جُمْهُورُ الْبَاقِينَ كَالْجُنُبِ وَكَمَنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ لَا يَخَافُ تَلْوِيثَهُ وَانْفَرَدَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَصَحَّحَ تَحْرِيمَ الْعُبُورِ وَإِنْ أَمِنَتْ لِغِلَظِ حَدَثِهَا بِخِلَافِ الْجُنُبِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ”. المجموع شرح المهذب (2/ 358)
قال الماوردي: “تمنع دُخُولُ الْمَسْجِدِ لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ – قَالَ: ” أَمَّا الْمَسْجِدُ فَلَا أُحِلُّهُ لجنبٍ وَلَا لحائضٍ ” وَلِأَنَّ حَدَثَ الْحَيْضِ أَغْلَظُ مِنْ حَدَثِ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ كَانَ نَصُّ الْكِتَابِ يَمْنَعُ الْجُنُبَ مِنَ الَمَقَامِ فِيهِ فَكَانَتِ الْحَائِضُ مَعَ مَا يُخَافُ تَنْجِيسُ الْمَسْجِدِ بِدَمِهَا أَحَقَّ بِالْمَنْعِ وَإِذَا مُنِعَتْ مِنَ الْمَسْجِدِ فَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنَ الِاعْتِكَافِ لَا مَحَالَةَ”. الحاوي الكبير (1/ 384)
وقال النووي: “يحرم على الحائض ما يحرم على الجنب، ولا يجب عليها قضاء الصلاة. ولو أرادت العبور في المسجد، فإن خافت تلويثه لعدم إحكامها الشد، أو لغلبة الدم، حرم العبور عليها، ولا يختص هذا بها، بل المستحاضة، والسلس، ومن به جراحة نضاخة، يحرم عليهم العبور إذا خافوا التلويث. فإن أمنت الحائض التلويث، جاز العبور على الصحيح، كالجنب ومن عليه نجاسة لا يخاف تلويثها. ويحرم عليها الصوم، ويجب قضاؤه. وهل يقال: إنه واجب حال الحيض؟ وجهان.
قلت: الصحيح الذي عليه المحققون والجماهير: أنه ليس واجبا، بل يجب القضاء بأمر جديد. والله أعلم”. روضة الطالبين وعمدة المفتين (1/ 135)
قال الشربيني: ( و ) الخامس ( دخول المسجد ) بمكث أو تردد لقوله تعالى { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا } قال ابن عباس وغيره أي لا تقربوا مواضع الصلاة لأنه ليس فيها عبور سبيل بل في مواضعها وهو المسجد ونظيره قوله تعالى { لهدمت صوامع وبيع وصلوات } ولقوله صلى الله عليه وسلم لا أحل المسجد لحائض ولا لجنب رواه أبو داود عن عائشة رضي الله تعالى عنها
وخرج بالمكث والتردد العبور للآية المذكورة إذا لم تخف الحائض تلويثه وخرج بالمسجد المدارس والربط ومصلى العيد ونحو ذلك وكذا ما وقف بعضه مسجدا شائعا وإن قال الإسنوي المتجه إلحاقه بالمسجد في ذلك وفي التحية للداخل ونحو ذلك بخلاف صحة الاعتكاف فيه وكذا صحة الصلاة فيه للمأموم إذا تباعد عن إمامه أكثر من ثلاثمائة ذراع. الإقناع للشربيني (1/ 101)
قال الخطيب الشربيني: ( ولا ) استئجار مسلمة ( حائض ) أو نفساء أو مستحاضة إجارة عين ( لخدمة مسجد ) وإن أمنت التلويث وجوزنا العبور لاقتضاء الخدمة المكث أو التردد وهي ممنوعة منه
أما الكافرة إذا أمنت التلويث فالأشبه الصحة كما قاله الأذرعي بناء على الأصح من تمكين الكافر الجنب من المكث بالمسجد لأنها لا تعتقد حرمته
ولو استأجر عين امرأة مسلمة لكنس مسجد فحاضت أو نفست انفسخت الإجارة فلو دخلت وكنست عصت ولم تستحق أجرة
وفي معنى خدمة المسجد تعليم القرآن وفي معنى الحائض المستحاضة ومن به جراحة نضاحة إذا لم يأمن التلويث. مغني المحتاج (2/ 337)
الحنابلة:
قال المرداوي: “قَوْلُهُ (وَاللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ) . تُمْنَعُ الْحَائِضُ مِنْ اللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا تُمْنَعُ إذَا تَوَضَّأَتْ وَأَمِنَتْ التَّلْوِيثَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْغُسْلِ، حَيْثُ قَالَ ” وَمَنْ لَزِمَهُ الْغُسْلُ حَرُمَ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ آيَةٍ. وَيَجُوزُ لَهُ الْعُبُورُ فِي الْمَسْجِدِ. وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ اللُّبْثُ فِيهِ، إلَّا أَنْ يَتَوَضَّأَ ” فَظَاهِرُهُ: دُخُولُ الْحَائِضِ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ، لَكِنْ نَقُولُ: عُمُومُ ذَلِكَ اللَّفْظِ مَخْصُوصٌ بِمَا هُنَا وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.
تَنْبِيهٌ:
ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. أَنَّهَا لَا تُمْنَعُ مِنْ الْمُرُورِ مِنْهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا إذَا أَمِنَتْ التَّلْوِيثَ. وَقِيلَ: تُمْنَعُ مِنْ الْمُرُورِ. وَحَكَى رِوَايَةً. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: لَهَا الْعُبُورُ لِتَأْخُذَ شَيْئًا، كَمَاءٍ وَحَصِيرٍ وَنَحْوِهَا. لَا لِتَتْرُكَ فِيهِ.” الإنصاف ج١ص٣٤٨
هل المالكية يجيزون مكث الحائض في المسجد إذا كانت معلمة أو متعلمة كما في مس المصحف أو لا؟
يجوز للحائض دخول المسجد لا سيما عند الحاجة، كالدخول للتعلم والتعليم بشرط التحفظ للحفاظ على المسجد، وإلى هذا ذهب جماعة من أهل العلم، كالعلامة محمد بن مسلمة من المالكية والعلامة المزني وابن المنذر من الشافعية، جاء في مواهب الجليل للعلامة الحطاب: (قال اللخمي: اختلف في دخول الحائض والجنب المسجد فمنعه مالك وأجازه زيد بن أسلم إذا كان عابر سبيل، وأجازه محمد بن مسلمة جملة وقال: لا ينبغي للحائض أن تدخل المسجد؛ لأنها لا تأمن أن يخرج من الحيضة ما ينزه عنه المسجد ويدخله الجنب، لأنه يأمن ذلك، قال: وهما في أنفسهما طاهران سواء وعلى هذا يجوز كونهما فيه إذا استثفرت).
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى في المجموع: (وقال المزني وداود وابن المنذر: يجوز للجنب المكث في المسجد مطلقا. وحكاه الشيخ أبو حامد عن زيد بن أسلم. واحتج من أباح المكث مطلقا بما ذكره ابن المنذر في الأشراف، وذكره غيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “المسلم لا ينجس” رواه البخاري ومسلم من رواية أبي هريرة، … وأحسن ما يوجه به هذا المذهب أن الأصل عدم التحريم، وليس لمن حرم دليل صحيح صريح).
والحائض كالجنب في هذا وبهذا يتبين أن هناك قولا عند أهل العلم بجواز مكث الحائض والجنب في المسجد، ولا حرج من الأخذ به لا سيما عند الحاجة والمصلحة.
والجمهور من المذاهب الأربعة يمنعون الحائض والجنب من المكث في المسجد، ثم اختلفوا هل يجوز لهما المرور أو لا؟
واستدلوا على منع المكث بأدلة، ومنها قول الله تعالى: {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل}، قال الشافعي رحمه الله في الأم: قال بعض العلماء بالقرآن: معناها لا تقربوا مواضع الصلاة قال الشافعي: وما أشبه ما قال بما قال: لأنه ليس في الصلاة عبور سبيل إنما عبور السبيل في موضعها وهو المسجد، قال الخطابي وعلى ما تأولها الشافعي تأولها أبو عبيدة معمر بن المثنى.
ومنها حديث عائشة رضي الله عنها قالت “جاء النبي صلى الله عليه وسلم وبيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب” رواه أبو داود وغيره. وضعفه جمع من المحدثين كما في المجموع للنووي وصححه آخرون.
وبهذا يتضح أن مسألة مكث الحائض في المسجد محل خلاف والأحوط عدمه ولا مانع من الأخذ بقول المجيزين لا سيما عند الحاجة.
حكم المصلى في المدرسة والمولات للحائض
تتخذ بعض المدارس مكاناً للصلاة فهل يجوز للحائض الدخول فيه أو المكث
ذكر الفقهاء أنه إن كان القائمون على المدرس فتحوه للناس للصلاة فيه أو كانوا يصلون فيه مع طلابهم جماعة فحكمه حكم المسجد، فإن كانوا لا يصلون فيه جماعة فلا يعتبر مسجداً.
قال العلامة ابن عابدين: “الْمَسَاجِدُ الَّتِي فِي الْمَدَارِسِ مَسَاجِدُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْنَعُونَ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهَا، وَإِذَا غُلِقَتْ يَكُونُ فِيهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِهَا. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ دَارٌ فِيهَا مَسْجِدٌ لَا يَمْنَعُونَ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهَا، إنْ كَانَتْ الدَّارُ لَوْ أُغْلِقَتْ كَانَ لَهُ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ فِيهَا فَهُوَ مَسْجِدُ جَمَاعَةٍ تَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الْمَسْجِدِ مِنْ حُرْمَةِ الْبَيْعِ وَالدُّخُولِ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ كَانُوا لَا يَمْنَعُونَ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ”. حاشية ابن عابدين
: “وَلَوْ الْمَسْجِدُ مَدْرَسَةً أَوْ دَارًا لَا يَمْنَعُ أَهْلُهُمَا النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ وَكَانَا لَوْ أُغْلِقَا يَكُونُ لَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ وَإِلَّا فَلَا تَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الْمَسْجِدِ”
غاية البيان شرح زبد ابن رسلان (ص: 71)
وَخرج بِالْمَسْجِدِ غَيره كمصلى الْعِيد والمدرسة والرباط فَلَا يحرم لبثه