الشبهة وردها بالفصيل:
دعوى أنَّ الحجابَ مِن وَضعِ الإسلامِ:
الشبهة:
زعمَ آخرونَ أنَّ حجابَ النساءِ نظامٌ وضعهُ الإسلامُ فلم يكنْ لهُ وجودٌ في الجزيرةِ العربيَّةِ ولا في غَيرها قبلَ الدَّعوةِ المُحمَّديَّةِ
الرد:
1- إنَّ مَن يقرأُ كُتبَ العهدِ القديمِ وكُتبَ الأناجيلِ يعلمُ بغيرِ عناءٍ كبيرٍ في البحثِ أنَّ حجابَ المرأةِ كانَ مَعروفًا بينَ العبرانيّينَ من عَهدِ إبراهيمَ عليهِ السَّلامُ، وظلَّ مَعروفًا بينهم في أيّامِ أنبيائهم جميعًا، إلى ما بعد ظهورِ المسيحيَّةِ، وتكرَّرتْ الإشارةُ إلى البرقعِ في غيرِ كتابٍ من كتبِ العهدِ القديمِ وكتبِ العهدِ الجديدِ.
ففي الإصحاحِ الرابعِ والعشرينَ من سفرِ التكوينِ عن (رفقة) أنَّها رفعَتْ عَينيها فرأت إسحاقَ، فنزلَت عنِ الجملِ وقالت للعبدِ: من هذا الرجلُ الماشي في الحقلِ لِلِقائي، فقالَ العبدُ: هوَ سيّدي، فأخذَت البرقعَ وتغطَّتْ.
وفي النشيدِ الخامسِ من أناشيدِ سليمانَ تقولُ المرأةُ: أخبرني يا مَن تُحبُّه نفسي، أين ترعى عندَ الظَّهيرةِ؟ ولماذا أكونُ كمقنَّعَةٍ عندَ قُطعانِ أصحابِكَ؟
وفي الإصحاحِ الثالثِ من سفرِ أشعيا: إنَّ اللهَ سيعاقبُ بناتِ صهيونَ على تبرُّجهنَّ والمباهاةِ برنينِ خلاخيلهنَّ بأن ينزعَ عنهنَّ زينةَ الخلاخيلِ والضفائر والأهلة والحلق والأساور والبراقع والعصائب.
وفي الإصحاحِ الثامنِ والثلاثينَ من سفرِ التكوينِ أيضًا أن تامار مضتْ وقعدتْ في بيتِ أبيها، ولمَّا طالَ الزمانُ خلعتْ عنها ثيابَ ترمّلِها وتغطَّت ببرقعٍ وتلفَّفَتْ.
ويقولُ بولس الرسولُ في رسالته كورنثوس الأولى: “إنَّ النَّقابَ شرفٌ للمرأةِ، وكانَتِ المرأةُ عندهم تضعُ البرقعَ على وجهِهَا حينَ تلتقي بالغرباءِ وتخلعهُ حينَ تنزوي في الدَّارِ بلباسِ الحدادِ
فالكتبُ الدّينيَّةُ الّتي يقرؤها غيرُ المسلمينَ قد ذكرَتْ عنِ البراقعِ والعصائبِ مالم يذكُرْهُ القرآنُ الكريمُ.
2- وكانَ الرّومانُ يسنُّونَ القوانينَ الّتي تُحرِّمُ على المرأةِ الظُّهورَ بالزّينةَ في الطّرقاتِ قبلَ الميلادِ بمائتَي سنةٍ، ومنها قانونٌ عُرِف باسمِ “قانونِ أوبيا” يحرِّمُ عليها المغالاةَ بالزينةِ حتّى في البيوتِ.
3- وأمّا في الجاهليَّةِ فنجدُ أنَّ الأخبارَ الوارِدَةَ في تستّرِ المرأةِ العربيَّةِ موفورةٌ كوفرةِ أخبارِ سفورهَا، وانتهاكُ سترها كانَ سببًا في اليومِ الثَّاني مِن أيَّامِ حروبِ الفجَّارِ الأولِ؛ إذ إنَّ شبابًا من قريشٍ وبني كنانةَ رأوا امرأةً جميلةً وسيمةً من بني عامرٍ في سوقِ عكاظ، وسألوها أن تسفرَ عن وَجهها فأبَتْ، فامتَهنها أحدُهم فاستغاثَتْ بقَومِها.
وفي الشّعرِ الجاهليِّ أشعارٌ كثيرةٌ تشيرُ إلى حجابِ المرأةِ العربيَّةِ، يقولُ الرّبيعُ بنُ زيادٍ العبسيِّ بعدَ مقتلِ مالكِ بنِ زهيرٍ:
مَن كانَ مَسرورًا بمَقتَلِ مالِكٍ *** فلْيَـأتِ نِسوتَنَا بوجْهِ نَهـارِ
يجدِ النّسـاءَ حواسرًا يندبنهُ *** يلطمْنَ أوجههنَّ بالأسحـارِ
قد كنَّ يخبأنَ الوجـوهَ تسترًا *** فاليومَ حيـنَ برزنَ للنُّظَّـارِ
فالحالةُ العامّةُ لديهم أنَّ النساءَ كنَّ مُحجَّباتٍ إلّا في مثلِ هذهِ الحالةِ حيثُ فقدْنَ صوابَهنَّ فكشفْنَ الوجوهَ يلطمنَهَا، لأنَّ الفجيعةَ قد تنحرفُ بالمرأةِ عمَّا اعتادَتْ مِن تستُّرٍ وقناعٍ.
وقد ذكرَ الأصمعيُّ أنَّ المرأةَ كانَت تُلقِي خِمَارها لِحُسنِهَا وهيَ على عفَّةٍ
وكانتْ أغطيةُ رؤوسِ النّساءِ في الجاهليّةِ متنوعةً ولها أسماءٌ شتّى، مِنها:
الخمارُ: وهوَ ما تُغطّي بهِ المرأةُ رأسَها، يُوضعُ على الرأسِ، ويُلفُّ على جزءٍ من الوجهِ.
وقد وردَ في شعرِ صخرٍ يتحدثُ عن أختهِ الخنساءَ:
والله لا أمنحُهَا شِرارَهَا *** ولَو هَلَكَتْ مَزَّقَتْ خِمَارَهَا
وجعَلَتْ مِن شَعَر صِدَارَهَا
ولم يكنِ الخُمارُ مَقصورًا على العربِ، وإنَّما كانَ شائعًا لدى الأممِ القَديمةِ في بابلَ وأشورَ وفارسَ والرومَ والهندَ.
النقاب: قالَ أبو عُبيد: “النقابُ عندَ العَرَبِ هوَ الّذي يبدو منهُ محجرُ العينِ، ومعناهُ أنَّ إبداءَهنَّ المحاجِرَ محدثٌ، إنَّما كانَ النّقابُ لاصقًا بالعينِ، وكانت تبدو إحدى العَينينِ والأُخرى مستوره”[22] غريب الحديث (2/440-441)، عند شرح قول ابن سيرين: “النقاب محدث”.
الوصواص: وهو النّقابُ على مارِنِ الأنفِ لا تظهرُ منهُ إلا العَينانِ، وهو البرقعُ الصّغيرُ، ويُسمّى الخنقُ، قالَ الشَّاعرُ:
يَا لَيتَها قد لَبستْ وصواصًا
البرقع: فيه خرقانِ للعينِ، وهوَ لنساءِ العربِ، قال الشاعرُ:
وكنتُ إذا مَا جئتُ لَيلى تَبرقعَتْ فقدْ رابَنِي منها الغَداةَ سفورُها