1- يقولُ تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ} [غافر:١٩] يقول سفيان: هي النَّظرةُ بعد النظرةِ [1]…فالنظرة الأولى معفوٌ عنها كما في الحديث: (يا عليُّ لا تُتْبِعِ النظرةَ النظرةَ فإنَّ لك الأولى، وليست لك الآخرة). [2]
2- قال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ إن الله خبير بما يصنعون …) [النور:30] قال القرطبي: البصرُ هو الباب الأكبرُ إلى القلبِ، وأعمرُ طُرُقِ الحواسِّ إليه، وبحسب ذلك كَثُرَ السقوطُ من جهته، ووجبَ التحذيرُ منه، وغضُّهُ واجبٌ عن جميع المحرَّماتِ، وكل ما يُخشَى الفتنة من أجله. [3]
3- وقال القرطبي أيضاً: وبدأ بالغضِّ قبل الفرجِ لأنَّ البصرَ رائدٌ للقلب، كما أنَّ الحمَّى رائدُ الموت. وأخذَ هذا المعنى بعضُ الشعراء فقال:
ألم تر أن العينَ للقلبِ رائدٌ *** فما تألفُ العينانِ فالقلبُ آلِفُ[4]
وقال: غضُّ البصر وحفظ الفرج أطهر في الدنيا وأبعد من دنسِ الأنامِ. [5]
4- عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن نَظَرِ الفجأة. فأمرني أن أصرفَ بصري.[7]
5- قال عيسى عليه السلام: إيّاكم والنظر! فإنّه يزرعُ في القلبِ الشهوةَ، وكفى بها لصاحبها فتنة!.[8]
6- قال ابنُ مسعود -رضي الله عنه-: ما كان من نظرةٍ فإنَّ للشيطان فيها مطمعاً.[9]
7- وحذّرَ العلاء بن زياد فقال: ولا تُتْبع بصركَ رداءَ المرأةِ فإنَّ النظرَ يجعل شهوةً في القلب.[10]
8- قال مجاهد: إذا أقبلتِ المرأةُ جلسَ الشيطانُ على رأسِها فزيّنها لمن ينظُرُ، فإذا أدبرَت جلسَ على عَجُزِهَا فزيَّنها لمن ينظر[11]
9- قالَ ابن القيم: والنظرةُ تفعلُ في القلبِ ما يفعلُ السَّهمُ في الرَّميَّة، فإن لم تقتلهُ جرحَتْه.[12].
10- وأنت إذا أرسلتَ طَرفكَ رائداً *** لقلبك –يوماً- أتعبتْكَ المناظرُ
رَأَيتَ الذي لا كُله أنت قادرٌ *** عليه ولا عن بعضِه أنتَ صابر.[13]
11- وقال ذو النون: اللحظات تُورثُ الحسراتِ، أولُها أسفٌ، وآخرُها تَلفٌ، فمَن تابعَ طرفَهُ تابعَ حتفَهُ.[14]
12- قال الغزالي: وزنا العينِ من كبارِ الصغائر وهو يؤدّي إلى الكبيرةِ الفاحشة وهي زنا الفرج، ومن لم يقدرْ على غضِّ بصرِه لم يقدِر على حفظِ دينِه.[15]
13- يقولُ ابنُ القيّم – رحمه الله -: القلبُ إذا أخلصَ عملَه للهِ لم يتمكّن منه عشقُ الصورِ، فعشقُ الصورِ إنّما يتمكّنُ من القلبِ الفارغ.[16]
14- قالَ بعضُ الشعراءِ:
إنّ الرجالَ الناظرين إلى النسا *** مثلُ الكلاب تطوفُ باللُحمَانِ.
إن لم تصن تلكَ اللحومَ أسودُها *** أُكلَت بلا عوضٍ ولا أثمانِ.[17]
15- كـلُّ الحوادثِ مَبداها من النظرِ *** ومعظمُ النارِ من مُسْتَصغَرِ الشَّررِ.
كم نظرةٍ فتكتْ في قلبِ صاحبِها *** فتكَ الســهامِ بلا قوسٍ ولا وترِ.
والمرءُ ما دام ذا عينٍ يُقلِّبها *** في أعينِ الغيدِ موقوفٌ على الخطَر.
يسُـرُّ مقلتَه ما ضـرَّ مهجـتَه *** لا مـرحباً بسرورٍ عاد بالضـرر.[18]
16- قال الحافظ أبو بكر العامري: إنّ الذي أجمعَت عليه الأمةُ، واتّفقَ على تحريمِه علماءُ السلف والخلف من الفقهاء والأئمة، هو نظرُ الأجانبِ من الرجال والنساءِ بعضهم إلى بعض – وهم من ليس بينهم رحمٌ من النسبِ، ولا محرم من سببٍ كالرضاع وغيره – فهؤلاء حرامٌ نظر بعضهم إلى بعض… فالنظرُ والخلوة محرم على هؤلاء عند كافة المسلمين.[19]
17- يا رامياً بسـهام اللَّحظ مجتهداً *** أنتَ القتيلُ بما ترمي فـلا تصِبِ
وباعثُ الطَّرف يرتادُ الشفاءَ له *** احبِسْ رسولَك لا يأتيك بالعطَب[20]
18- عقوباتِ النظرِ إلى المحرّمات:
1- فسادُ القلب: فالنظرةُ تفعلُ في القلبِ ما يفعلُ السهمُ في الرمية، فإن لم تقتلْه جرحتْه.
2- نسيانُ العلم: فقد نسيَ أحدُ العبّاد القرآنَ؛ بسببِ نظرةِ شهوةٍ إلى غلامٍ صبيح الوجهِ!!
3- نزولُ البلاء: قالَ عمرو بن مرة: نظرتُ إلى امرأةٍ فأعجبتني فكُفَّ بصري، فأرجو أن يكونَ ذلك جزائي.[21]
4- إبطالُ الطاعات: فعن حذيفة قالَ: مَن تأمّلَ خَلقَ امرأةٍ من وراءِ الثيابِ فقد أبطلَ صومَه!![22]
5- الغفلةُ عن اللهِ والدارِ الآخرة: فإنَّ القلبَ إذا شُغل بالمحرّمات أورثَه ذلك كسلاً عن ذكرِ اللهِ وملازمةِ الطاعات.
19- قال الإمامُ ابن مفلح الحنبلي رحمه الله تعالى في كتابه الفروع:
” ولْيَحْذَرِ العاقلُ إطلاقَ البصرِ فإنّ العينَ ترى غيرَ المقدورِ عليهِ على غيرِ ما هو عليهِ، تراهُ أجْملَ منظرًا، وألْطفَ مخبرًا، وأوْفقَ معشراً، وأطْيَبَ مذاقًا وأُنْسًا، مما عندها من القرينِ الحلال، الطيِّبِ الجميل، اللطيف المُتسامح المُواتِي .. تَزْيينًا من الشيطان وتَلْبيسًا منه، لِيُحَوِّلَ ذاك المفتون من الحلال الطاهرِ إلى الحرام الخبيثِ .. أو لِيُكَرِّهَهُ بالحلالِ الذي عندهُ، ويُحَبِّبَهُ بالحرامِ الذي لا يَحِلُّ لهُ … ولِأنّ النفْسَ تَميلُ إلى غير ما ألِفَتْ، وتطْلُبُ غيرَ ما عَرَفَتْ، ويَتَخايَلُ لها في الجديدِ مزايا وفضائِل لا تُوْجَدُ فيما هو عندها … فإنّ الشيطانَ لِفَسادِهِ وإفْسَادِهِ يُرِيكَ أنّ ما ليس عندكَ أحْسَنُ وأفْضَلُ مما عندكَ “.
[1] انظر تفسير القرطبي (15/303)
[2] سنن أبو داود2149
[3] الجامع لأحكام القرآن (13/222)
[4] الجامع لأحكام القرآن (12/227)
[5] الجامع لأحكام القرآن (12/226)
[6] سنن أبو داود2149
[7] صحيح مسلم 2159
[8] نهاية الأرب في فنون الأدب (1/132) وفيض القدير (4/65)
[9] التبصرة لابن الجوزي (1/162)
[10] كتاب الزهد لأحمد ابن حنبل (206) رقم (1428)
[11] الجامع لأحكام القرآن (12/227)
[12] روضة المحبين ونزهة المشتاقين (97)
[13] بدائع السلك في طبائع الملك (1/438)
[14] ذم الهوى (1/93)
[15] إحياء علوم الدين (3/102)
[16] الداء والدواء (1/212)
[17] نونية القحطاني (1/43)
[18] روضة المحبين ونزهة المشتاقين (1/154)
[19] أحكام النظر إلى المحرمات ص ٢٦٠.
[20] الداء والدواء (1/353)
[21] حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (5/95)
[22] ذم الهوى لابن الجوزي (1/127)