الشبهة وردها بالفصيل:
النساءُ شقائقُ الرجالِ:
الشبهة: انطلاقاً من هذا الأصلِ يقرّرُ أعداءُ الحجابِ أنَّ النساءَ والرجالَ سواء، لهنَّ ما لهم، وعليهنَّ ما عليهم، ولا فرقَ بينَ الصّنفينِ في جميعِ الأحكامِ؛ لأنّ النساءَ شقائقُ الرجالِ الرد: 1- الفوارقُ بينَ الرجلِ والمرأةِ الجسديّةُ والمعنويّةُ والشرعيّةُ ثابتةٌ قدرًا وشرعًا وحسًّا وعقلاً. لكن لمّا قدّرَ اللهُ وقضى أنّ الذّكرَ ليسَ كالأثنى في صفةِ الخلقةِ والهيئةِ والتكوينِ، ففي الذكورةِ كمالٌ خَلقيّ وقوّةٌ طبيعيةٌ، والأنثى أنقصُ منه ُخلقةً وجبلّةً وطبيعةً لما يعتريها من الحيضِ والحَمْلِ والمخاضِ والإرضاعِ وشؤونِ الرّضيعِ وتربيةِ جيلِ الأمّةِ المُقبلِ، ولِهذا خُلقت الأنثى من ضلعِ آدمَ عليه السّلام، فهيَ جزءٌ منه، تابعٌ لهُ ومتاعٌ لهُ، والرجلُ مؤتمنٌ على القيامِ بشؤونها وحفظها والإنفاقِ عليها وعلى نتاجِهما مِنَ الذّريّةِ؛ كانَ من آثارِ هذا الاختلافِ في الخلقةِ الاختلافُ بينهما في القِوى والقدراتِ الجسديّةِ والعقليّةِ والفكريّةِ والعاطفيّةِ والإراديّةِ، وفي العملِ والأداء ِوالكِفايَةِ في ذلكَ، إضافةً إلى ما توصّلَ إليهِ علماءُ الطبِّ الحديثِ من عجائبِ الآثارِ من تفاوتِ الخَلقِ بينَ الجنسينِ. وهذانِ النوعانِ من الاختلافِ أنيطتْ بهما جُملةٌ كبيرةٌ مِن أحكامِ التّشريعِ، فقد أوجَبا الاختلافَ والتفاوُتَ والتّفاضلَ بينَ الرّجلِ والمرأةِ في بعضِ أحكامِ التّشريعِ، في المهمّاتِ والوظائفِ الّتي تلائمُ كلَّ واحدٍ منهما في خلقتِهِ وتكوينِهِ، وفي قدراتِهِ وأدائِهِ واختصاصِ كلٍّ منهما في مجالِهِ مِنَ الحياةِ الإنسانيَّةِ؛ لتتكاملَ الحياةُ، ولِيقومَ كلٌّ منهما بمهمَّتِهِ فيها. 2- لو حصلَتْ المساواةُ في جميعِ الأحكامِ مع الاختلافِ في الخلقةِ والكفايةِ لكانَ هذا انعكاسًا في الفطرةِ، ولكانَ هذا هو عينُ الظلم ِللفاضلِ والمفضول،ِ بل ظلمٌ لحياةِ المجتمعِ الإنسانيِّ؛ لِما يلحقهُ من حرمانِ ثمرةِ قدراتِ الفاضلِ، والإثقالِ على المفضولِ فوقَ قُدرتِهِ. 3- وبجانبِ رفضِ مبدأ المساواةِ المطلَقِ فإنَّ هناكَ قدرًا من المساواةِ بينَ الرجلِ والمرأةِ، والّذي ينبغي أن يُطلقَ عليه لفظُ العدلِ وليسَ المساواةُ. أ- فالمرأةُ تساوي الرجلَ في أصلِ التكليفِ بالأحكامِ الشرعيةِ مع بعضِ الاختلافِ في بعضِ الأحكامِ التّفصيليّةِ. الشبهة الثانية: القوامةُ للرجلِ دونَ المرأةِ: أمّا الناحيةُ الفطريّةُ فإنَّ الخصائصَ النفسيةَ المزوّد بها كلٌّ منَ الرجلِ والمرأةِ بصفةٍ عامةٍ تؤهّلُ الرجلَ بشكلٍ أمثل لتحمِّلِ مسؤولياتِ إدارةِ شؤونِ الأسرةِ والقيامِ على رعايتها والتّصدي لزعامتها، وفي المقابلِ نلاحظُ أنَّ خصائصَ المرأةِ بشكلٍ عامٍ تحبِّب إليها أن تجدَ لدى الرجلِ ملجأً وسندًا وقوةَ إرادةٍ واستقرارَ عاطفةٍ وحكمةٍ في تصريفِ الأمورِ وسلطانًا ترى في الانضواءِ تحته أنسها وطمأنينتها وأمنها وراحة بالها. ولذلكَ يلاحظُ أثرُ هذا التّكوينِ الفطريِّ ظاهرًا في كلِّ مجموعةٍ إنسانيّةٍ، ولو لم تُلزِمها بهِ أنظمةٌ أو تعاليمٌ، وربما شذّ عنهُ نفرٌ قليلٌ اختلّت فيهِ خصائصُ الذكورةِ والأنوثةِ، وهي حالاتٌ شاذّةٌ لا تستحقُّ تعديلاً في أصلِ القاعدةِ الفطريّةِ. وأمّا النّاحيةُ الفكريّةُ فإنَّ الحكمةَ في المجتمعاتِ الإنسانيّةِ تقضي بأن يكونَ لكلّ مجتمعٍ صَغُرَ أو كَبُرَ قيّمٌ يقودُهُ ويديرُ شؤونهُ حمايةً له من الفوضى والتّصادمِ والصّراعِ الدّائمِ، والأسرةُ أحدُ هذهِ المُجتمعاتِ الّتي تحتاجُ إلى قيّمٍ تتوافرُ فيهِ مؤهّلاتُ القوامَةِ بشكلٍ أمثلَ. 2- لدى أهلِ الفكرِ في مسألةِ القوامةِ داخلَ الأسرةِ مجموعةٌ من الاحتمالاتِ: أولاً: أن يكونَ الرجلُ هو القيّمُ في الأسرةِ باستمرارٍ. أمّا الشركةُ في القوامَةِ سواءٌ أكانت في كلِّ شيءٍ وفي كلِّ وقتٍ، أو كانت على سبيلِ التّناوبِ الزّمنيِّ، أو كانت على سبيلِ التقاسمِ في الاختصاصاتِ، فإنها ستؤدّي حتمًا إلى الفوضى والتّنازعِ ورغبةِ كلِّ فريقٍ بأن يعلوَ على صاحبِه ويستبدَّ بهِ، وقد أيّدتْ تجاربُ المجتمعاتِ الإنسانيّةِ فسادَ الشركةِ في الرئاسةِ. أمّا إسنادُ القوامةِ إلى المرأةِ دونَ الرّجل ِفهو أمرٌ يُنافي ما تقتضيهِ طبيعةُ التكوينِ الفطريِّ لكلٍّ منهما، وهو يؤدّي حتمًا إلى اختلالٍ ونقصٍ في نظامِ الحياةِ الاجتماعيّةِ لِما فيهِ من عكسٍ لطبائعِ الأشياءِ، فلم يبقَ إلا الاحتمالُ الأوّلُ، وهو أن يكونَ الرّجلُ هو القيّمُ في الأسرةِ. 3- أهمُّ خصائصِ القوامةِ المثلى رجحانُ العقلِ على العاطفةِ، وهذا الرجحانُ متوافرٌ في الرّجالِ بصفةٍ عامّةٍ أكثرَ من توافرهِ في النساءِ، لأنّ النساءَ بمقتضى ما هنَّ مؤهّلاتٍ لهُ من إيناسٍ للزّوجِ وحنانٍ عليه وأمومةٍ رؤومٍ وصبرٍ على تربيةِ الطفولةِ تترجّحُ لديهنّ العاطفةُ على العقلِ، ولن تكونَ قوامةٌ مُثلى لأيِّ مجتمعٍ إنسانيٍّ صغيرًا كان أو كبيرًا إذا كانتِ العاطفةُ فيها هي الراجحةُ على العقلِ. ولئن كانَ بعضُ الرجالِ تتحكّمُ فيهم عواطفُهم أكثرَ من عقولهم، وبعضُ النساءِ تتحكّمُ فيهنّ عقولهنَّ أكثرَ من عواطفهنَّ، فذلكَ أمرٌ نادرٌ لا يصحُّ أن تتغيّرَ من أجلهِ قاعدةٌ عامةٌ. 4- ومن مرجّحاتِ إسنادِ القوامةِ في الأسرةِ إلى الرّجلِ أنهُ هو المسؤولُ في نظامِ الإسلامِ عن النّفقةِ عليها، ومسؤوليتهِ عن النفقةِ على أسرتهِ تجعلُه أكثرَ تحّفظًا واحترازًا من الاستجابةِ السّريعةِ للشّهواتِ العابرةِ والانفعالاتِ الحادّةِ الرّعناءَ، بخلافِ المرأةِ في ذلك، لأنّها بحكمِ عدمِ مسؤوليّتها عن النّفقةِ وعن السّعيِ لاكتسابِ الرّزقِ يقلُّ لديها التّحفظُ والاحترازُ، وتكونُ في أغلبِ أحوالها ذاتَ استجابةٍ سريعةٍ لشهواتِها وانفعالاتِها التي قد تتطلبُ منها نفقاتٍ ماليةٍ باهظة، أو تدفعُها إلى الشحِّ المفرط.ِ 5- أعطى الإسلامُ للمرأةِ حقَّ التّدخلِ في اختيارِ زوجها، وبهذا فهي تختارُ القيّمَ عليها، ولها أن تلاحظَ فيه المَقدرةَ على القوامةِ الرشيدةِ. الشبهة الثالثة: مستلزمات القوامة: ومن حقوقِ الزّوجِ على زوجتهِ أن لا تكونَ ناشزًا خارجةً عن طاعتهِ ما لم يأمرها بما فيهِ معصيةٌ لله، أو هضمٌ لحقوقها الّتي شرّفها اللهُ لها. وأيةُ مؤسّسةٍ اجتماعيّةٍ لا بدَّ أن يكونَ في يدِ صاحبِ الأمرِ فيها وسائلٌ يضبطُ بها نظامَ هذه المؤسسةِ حتى لا تتعرّضَ للفوضى، فالفسادِ، فالتفكّكِ والانحلالِ. وأبرزُ عناصرِ وحدةِ مؤسسةٍ اجتماعيّةٍ إنما هو عنصرُ طاعةِ أعضائها لصاحبِ الأمرِ فيها، والخروجِ عن هذهِ الطّاعةِ نشوزٌ يجعلُ المؤسّسةَ منحلّةً أو في حكمِ المنحلّةِ. ولمَّا كانَ في طبائعِ النّاسِ نزوعٌ إلى التحرّرِ من قيودِ الطّاعةِ كانتِ المؤسساتُ الاجتماعيةُ الإنسانيةُ عرضةً للانحلالِ والتفككِ باستمرارٍ مالم تُهيمن على أفرادِها الضوابطُ الاجتماعيةُ المعنويةُ والماديةُ، ومن الضوابطِ الاجتماعيةِ الّتي تصونُ وحدةَ الجماعةِ وسائلُ التربيةِ والتأديب ِالتي تسمحُ بها الأعرافُ الإنسانيّةُ الكريمةُ. وقد أرشدتِ الحكمةُ النظريةُ والتطبيقيةُ الناسَ إلى استخدامِ طائفةٍ من وسائلِ التربيةِ والتأديبِ، وهي تتفاوتُ فيما بينها رغبةً ورهبةً، ورفقًا وشدّة. ويختارُ بعضُ أولي الأمرِ أسلوبَ العنفِ والقسوةِ فيفشلونَ، ويختارُ بعضهم أسلوبَ الرفقِ واللينِ باستمرارٍ فيتطاولُ عليهم الباغونَ المنحرفونَ، فينزعون منهم سلطانهم. أما الحكماءُ العقلاءُ فيستخدمون َالوسائلَ كلَّها، إلا أنّهم يضعونَ كلاً منها في موضعهِ، وبذلكَ يسلمُ لهم الأمر، وهذا ما أرشدَ إليه الإسلام ُأولياءَ الأمورِ بشكلٍ عام.ٍّ 2- لقد أرشدَ الإسلامُ إلى استخدامِ وسائلِ التربيةِ والتّأديبِ الحكيمةِ، وجعلها على مراحل: المرحلةُ الثانيةُ: الهجرُ في المضطجعِ، وهو أبلغُ أنواعِ الهجرِ وعقابٌ ليس بالهيّنِ على زوجةٍ عاقلةٍ حريصةٍ على زوجها، وللهجرِ في المضطجعِ درجاتٌ بعضُها أقسى من بعضٍ، يعرفُها العقلاءُ الحكماءُ من الرجالِ. وجعلَ الإسلامُ الهجرَ لا يزيدُ على أربعةِ أشهرٍ: {لّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة:226]، وبعدَ ذلكَ إما أن يعودوا إلى معاشرتهنَّ، وإمّا أن يكونَ لزوجاتهم الحقُّ بأن يطالبنَ بالفراقِ. المرحلةُ الثالثةُ: مرتبةُ الضّربِ غيرِ المبرّحِ الّذي لا يصلُ إلى أدنى الحدودِ الشرعيةِ. فغالبُ الظّنِّ أنَّ أيَّ امرأةٍ توجَّهُ لها أشدُّ درجاتِ الموعظةِ فلا تستقيمُ ثمَّ تُهجَرُ أبلغَ أنواعِ الهجرِ فلا تستقيمُ أيضًا، إلّا أن تكونَ مبلّدةَ الحسِّ سيّئةَ العشيرةِ كريهةَ الطّبعِ، فهي تستحقُّ التّأديبَ بالضربِ، أو أن تكونَ كارهةً تبغي الفراقَ لكن لا تصرّحُ بهِ لغرضٍ في نفسها، فإذا كانت كارهةً راغبةً في الفراقِ فإنّ لديها من الوسائلِ ما يبلّغها مرادَها دونَ أن تكارهَ الزّوجَ بالنشوزِ والعصيانِ، ويمكنها أن تعرّبَ عمّا في نفسِها منذ استخدامِ المرتبةِ الأولى والثانية. أمّا إذا لم تعلنْ رغبتَها بمفارقَتِه فالظاهرُ من أمرها أنّها امرأة ٌ إمّا أن تكونَ ممّن يصلحهنَّ الضربُ، أو أن يكونَ نصيبُها الفراقَ، إلا أنَّ إهانتَها بالفراقِ ووسمَها بأنّها امرأةٌ لا تصلحُ للمعاشرةِ الزّوجيّةِ أقسى عليها وأشدُّ من إهانتِهَا بالضّربِ غير المبرّحِ. 3- بالإضافةِ إلى ذلكَ فإنّ التّجاربَ النفسيّةَ قد دلّتْ أنَّ بعضَ الناسِ مصابونَ بانحرافٍ نفسيٍّ غريبِ المزاجِ، يلذُّ لهم أن يتلقّوا معاملةً قاسيةً مؤلمةً جسديّةً أو نفسيّةً، فلا يطيبُ مزاجُهم ولا يعتدلونَ إلّا بالضّربِ أو ما يشبههُ من مؤلماتٍ، وأكثرُ ما يكونُ هذا اللّونُ من الانحرافِ في صنفِ النساءِ، ويطلقُ عليهِ علماءُ النفسِ اسمَ (الماسوشزم). 4- إنَّ وجودَ التشريعِ الذي يأذنُ للزوجِ بتأديبِ زوجتهِ بالضّربِ في آخرِ المراحلِ لا يعني أنَّ هذا السّلاحَ سيستخدمهُ كلُّ زوجٍ، فمعظمُ الأسرِ المؤدّبةِ بآدابِ الإسلامِ لا تعرفُ في حياتها الهجرَ في المضاجعِ فضلاً عن الضربِ، لأنَّ التربيةَ الإسلاميّةَ العامّةَ للرجالِ والنساءِ متى ما استوفَتْ شروطَها فلا بدَّ أن تجعلَ الأُسرَ الإسلاميّةَ في وضعٍ من الوئامِ والتفاهمِ والودِّ لا يسمحُ بأكثر من استخدامِ الدرجاتِ الخفيفةِ من درجاتِ الموعظةِ التي يشتركُ فيها كلٌّ من الزوجينِ. الشبهة الرابعةُ: نقصانُ العقلِ والدّينِ: قال الشيخُ عبدُ العزيزِ بنُ بازٍ: “بيّنَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ أنّ نقصانَ عقلها من جهةِ ضعفِ حفظِها وأنّ شهادتَها تُجبَرُ بشهادةِ امرأةٍ أخرى؛ وذلكَ لضبطِ الشّهادةِ بسببِ أنّها قد تنسى فتزيدُ في الشهادةِ أو تنقصها كما قال سبحانهُ: {وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مّن رّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأخْرَىٰ} [البقرة:282]. وأما نقصانُ دينها فلأنّها في حالِ الحيضِ والنّفاسِ تدعُ الصلاةَ وتدعُ الصومَ ولا تقضي الصلاةَ، فهذا من نقصانِ الدينِ، ولكنَّ هذا النقصَ ليسَت مؤاخذةً عليه، وإنّما هو نقصٌ حاصلٌ بشرعِ اللهِ عزَّ وجلَّ هو الذي شرّعهُ عزَّ وجلَّ رفقًا بها وتيسيرًا عليها… ولا يلزمُ من هذا أن يكونَ نقصُ عقلِها في كلِّ شيءٍ ونقصُ دينِها في كلِّ شيءٍ، وإنّما بيّنَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم أنَّ نقصَ دينِها من جهةِ ما يحصلُ لها من تركِ الصلاةِ والصّومِ في حالِ الحَيضِ والنّفاسِ، ولا يلزمُ من هذا أن تكونَ أيضًا دونَ الرّجلِ في كلِّ شيءٍ وأنَّ الرّجلَ أفضلَ منها في كلِّ شيءٍ، نعم جنسُ الرجلِ أفضلُ من جنسِ النساءِ في الجملةِ، لكن قد تفوقُهُ في بعضِ الأحيانِ في أشياءٍ كثيرةٍ، فكم للهِ من امرأةٍ فوقَ كثيرٍ من الرّجالِ في عقلِها ودينِها وضبطِها، وإنّما وردَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّ جنسَ النساءِ دونَ جنسِ الرّجالِ في العقلِ وفي الدّينِ من هاتَينِ الحيثيّتينِ اللّتينِ بينهما النبي صلى الله عليه وسلم. وقد تكثرُ منها الأعمالُ الصالحةُ فتربو على كثيرٍ من الرّجالِ في عملها الصالحِ وفي تقواها للهِ عزّ وجلَّ وفي منزلَتها في الآخرةِ، وقد تكونُ لها عنايةٌ في بعضِ الأمورِ فتضبطها ضبطًا كثيرًا أكثرَ من ضبطِ بعضِ الرجالِ في كثيرٍ من المسائلِ التي تُعنى بها وتجتهدُ في حفظها وضبطها، فتكونُ مرجعًا في التاريخِ الإسلاميِّ وفي أمورٍ كثيرةٍ، وهذا واضحٌ لمن تأمّلَ أحوالَ النّساءِ في عهدِ النّبيِّ صلى الله عليه وسلم وبعد ذلك” 2- أمّا أنَّ شهادةَ المرأةِ على النّصفِ من شهادةِ الرّجلِ فقد جاءَ معلّلاً في النصّ القرآنيّ بقولهِ تعالى: {أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأخْرَىٰ} [البقرة:282]، والضلالُ هنا ينشأُ من أسبابٍ كثيرةٍ، فقد ينشأُ من قلةِ خبرةِ المرأةِ بموضوعِ التّعاقدِ، ممّا يجعلُها لا تستوعبُ كلَّ دقائقهُ وملابساتِه، ومن ثُمَّ لا يكونُ من الوضوحِ في عقلها بحيثُ تؤدي عنهُ شهادةً دقيقةً عند الاقتضاءِ، فتذكّرُها الأخرى بالتعاونِ معًا على تذكُّرِ ملابساتِ الموضوعِ كلّه. وقد ينشأُ من طبيعةِ المرأةِ الانفعاليّةِ، فإنّ وظيفةَ الأمومةَ العضويّةَ تستدعي مقابلاً نفسيًا في المرأةِ حتمًا، يستدعي أن تكونَ المرأةُ شديدةَ الاستجابةِ الوجدانيةِ الانفعاليةِ لتلبيةِ مطالبِ طفلها بسرعةٍ وحيويةٍ لا ترجعُ فيهما إلى التفكيرِ البطيءِ، وذلكَ من فضلِ اللهِ على المرأةِ وعلى الطفولةِ، وهذه الطّبيعةُ لا تتجزّأُ، فالمرأةُ شخصيةٌ موحدةٌ هذه طابعُها حينَ تكونُ امرأةً سويّةً، بينما الشهادةُ على التّعاقدِ في مثلِ هذه المعاملاتِ في حاجةٍ إلى تجرّدٍ كبيرٍ من الانفعالِ، ووقوفٍ عند الوقائعِ بلا تأثيرٍ ولا إيحاءٍ، ووجودُ امرأتينِ فيه ضمانةٌ أن تذكّرَ إحداهما الأخرى إذا انحرفَت مع أيّ انفعالٍ، فتتذكّرَ وتفيءَ إلى الوقائعِ المجرّدةِ. 3- وما تقدّمَ هو بالنّسبةِ للشّهادةِ على الحقوقِ الماليةِ، أما في الأمورِ الأخرى الّتي يضعفُ فيها تدخلُ العواطفِ الإنسانيةِ فإنّ شهادةَ المرأة ِفيها مثلَ شهادةِ الرجلِ، وذلكَ حينما يكونُ الاعتمادُ على مجردِ الذكاءِ والحفظِ، ومن أجلِ ذلكَ قبلت التعاليمُ الإسلاميةُ روايةَ المرأةِ لنصوصِ الشّريعةِ وأخبارِها في التّاريخِ والعلومِ، وساوتها في ذلكَ بالرجلِ، وقبلت أيضًا شهادةَ المرأةِ الواحدةِ في إثباتِ الولادةِ والرضاعِ، وجعلتها مثل شهادةِ الرّجلِ، إلى غيرِ ذلكَ من أمورٍ يضعفُ فيها تدخّلُ العواطفِ الإنسانيّةِ |