(السؤال): ما حكم الاستمناء باليد شرعًا؟
(الجواب) : الاستمناء باليد كما في القاموس ، ويُسمَّى (الخَضْخَضَة) كما في اللسان ، وكان معروفًا عند العرب قديمًا، وإن لم يَكُن مشتهرًا كما تُفِيدُه كتب اللغة، ويدل عليه حديث (ناكح اليد مَلْعُون) . وما رواه سعيد بن جبير من قوله : (عَذَّبَ الله أمَّة كانوا يعبثون بِمَذَاكِيرِهم) . وما رواه عطاء من قوله : (سَمعت قومًا يُحْشَرون وأيديهم حَبَالَى) قال : وأظن أنهم الذين يَستمنون بأيديهم . كما ذَكَرَه الآلوسي والخازن . وما ذكره ابن دقيق العبد من أنه لم يكن معهودًا عند العرب ولا ذَكَرَه أحد منهم في شِعْره فيما وصله ، مردود بما بَيَّنَّا .
وهي عادة قبيحة ضارة ضررًا فاحشًا بالأجسام والعقول، تنشأ من الفراغ والتوقان وعدم القدرة على الزواج. وقد أَمَرَ الله تعالى مَن هذا شأنه بالاستعفاف والصبر والاحتمال، فقال تعالى : { وَلْيَسْتَعْفِفِ الذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ } وبيَّن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ العلاج بقوله فيما رواه ابن مسعود : ” يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أَغَضُّ للبصر وأَحْصَنُ للفرج، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجَاءٌ ” أي أنه يؤدي ما يؤديه الخِصَاء فهو شبيه به.
وقد ذهب جمهور الأئمة إلى تحريم الاستمناء باليد . قال في (سُبُل السلام) تعليلاً لذلك : لأنه لو كان مباحًا لأرشد الشارع إليه ؛ لأنه أسهل اهـ واستدلوا على التحريم بقوله تعالى : { وَالذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العَادُونَ } أي الكاملون في العدوان ، ويَنْدَرِج الاستمناء في اليد في ما (وَرَاءَ ذَلِكَ) قال النسفي: ” وفيه دليل على أن الاستمناء باليد حرام، وهو قول أكثر العلماء ” . ونقل رواية سعيد بن جبير وعطاء.
وفي تفسير القرطبي عن حرملة بن عبد العزيز أنه قال : ” سألت مالكًا عن الرجل يجلد عُميرة فتلا هذه الآية “. وهذا لأنهم يُكَنُّونَ عن العضو المعروف بأبي عميرة ، وفيه يقول الشاعر :
إِذَا حَلَلْتَ بِوَادٍ لَا أَنِيسَ بِهِ فَاجْلِدْ عُمَيْرَةَ لَا دَاءٌ وَلَا حَرَجُ
وقال بعض العلماء : ” إنه كالفاعل بنفسه، وهي معصية أحدثها الشيطان وأَجْرَاهَا بين الناس، ولو قام الدليل على جوازها لكان ذو المروءة يُعْرِض عنها لِدَنَاءَتِها ” اهـ ملخصًا.
والمروي عن الشافعي في الجديد تحريمه، ونُقِل عن ابن حنبل أنه يجيزه بحجة أنه إخراج فضلة من البدن عند الحاجة كالفَصْد والحجامة، ذكر ذلك عنه القرطبي والآلوسي في تفسيرَيهما ، ولم أَقِفْ عليه في فقه الحنابلة.
وفي [شرح الدر] في بابَي الصوم والحدود أن الاستمناء بالكف حرام عند الحنفية ؛ لحديث (ناكح اليد ملعون) وفيه التعزير . إلا أنه لو خاف الزنا يُرْجَى أَلَّا وَبَالَ عليه اهـ.
ونَقَل العلَّامة ابن عابدين الفقيه عن أبي الليث أنه قال : ” إذا فَعَلَه الرجل إرادة تَسكين الشهوة المُفرِطة الشاغلة للقلب وكان عَزَبًا لا زوجَةَ ولا أَمَةَ ، أو كان إلا أنه لا يَقْدِر على الوصول لعذر أرجو أنْ لا وَبَالَ عليه أي أَنَّه لا عِقَاب عليه ، وأما إذا فَعَلَه لاستجلاب الشهوة فهو آثم ” اهـ [من ابن عابدين].
ويشير إلى ذلك قول النسفي ” لإرادة الشهوة ” في العبارة السابقة.
ومن هذا يظهر أن جمهور الأئمة يَرَوْنَ تحريم الاستِمْناء ويؤيدهم في ذلك ما فيه من ضَرَر بالغ بالأعصاب والقُوَى والعقول، وذلك يُوجِب التحريم، وأن المروي عن أحمد وعن الحنفية من جَوَازِه إنما هو عند الحاجة والضرورة القُصْوَى فيكون من باب ارتكاب أخف الضررين، والله أعلم.
فتاوى حسنين مخلوف (ص: 121)