قال عبد المعطي العجلوني محقق كتاب المعرفة للبيهقي (٦/ ١٩٠)، ناقلا مذاهب الفقهاء في هذه المسألة: قال الجمهور: تؤدي زكاة الفطر من الحبوب والثمار المقتات صاع، ويعادل (٧٥١، ٢ كلغ)،
وقال الحنفية: تجب زكاة الفطر من أربعة أشياء: الحنطة والشعير والتمر والزبيب، وقدرها نصف صاع من حنطة، أو صاع من شعير أو تمر أو زبيب، ويجوز عندهم أن يعطي عن جميع ذلك القيمة دراهم أو دنانير، لأن الواجب أغناه الفقير لقوله ﷺ: «أغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم»، والإغناء يحصل بالقيمة، بل أتم وأوفر وأيسر، لأنها أقرب إلى دفع الحاجة فتبين أن النص معلل بالإغناء.
وقال الجمهور: لا يجزىء إخراج القيمة عن هذه الأصناف، فمن أعطى القيمة لم تجزئه، لقول ابن عمر: «فرض رسول الله ﷺ صدقة الفطر صاعا من تمر، وصاعا من شعير» فإذا عدل عن ذلك فقد ترك المفروض.
وإخراج المال هو قول جماعة من الصحابة والتابعين، منهم الحسن البصري، وعمر بن عبد العزيز، وهو مذهب الثوري، وأبي حنيفة، وأبي يوسف، واختاره من الحنفية الفقيه أبو جعفر الطحاوي، وبه العمل والفتوى عندهم في كل زكاة، وفي الكفارات والنذور والمحراج وغيرها، وبه قال إسحاق بن راهويه، وأبو ثور، كما هو مذهب بقية أهل البيت، أعني القيمة عند الضرورة، وجعلوا منها: طلب الإمام المال بدل المنصوص وهو قول جماعة من المالكية كابن حبيب، وأصبغ، وابن أبي حازم، عيسى بن دينار بن وهب المالكي، وانظر: التمهيد (٤/ ١٣٩)، والاستذكار (٩/ ٣٦١).
وبوب ابن أبي شيبة في مصنفه (٣/ ١٧٤): «إعطاء الدراهم في زكاة الفطر» وأورد آثارا في ذلك عن عمر بن عبد العزيز، وعن الحسن البصري وعن أبي إسحاق السبيعي.
وألف أحمد بن محمد الغماري من علماء المغرب رسالة لطيفة، أسماها: “تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال مستدلا بالآتي:
الوجه الأول: أن الأصل في الصدقة المال، قال تعالى: ﴿خذ من أموالهم صدقة﴾ فالمال هو الأصل، وبيان رسول الله ﷺ المنصوص عليه إنما هو للتيسير ورفع الحرج، لا لتقييد الواجب وحصر المقصود فيه.
الوجه الثاني: أمر النبي ﷺ معاذا حين خرج إلى اليمن بالتيسير على الناس، فكان معاذ يأخذ الثياب مكان الذرة والشعير، لأنه أهون عليهم، وقال: ائتوني بعرض ثياب خمس أو لبيس في الصدقة فكان الشعير الذرة، ثم قال: وخير لأصحاب رسول الله ﷺ بالمدينة. انظر: البخاري (٣/ ٣١١)، والخراج ليحيى بن آدم (١٤٧)، ومصنف ابن أبي شيبة (٣/ ١٨١)، وغيرها .. وكان علي ﵁ يأخذ في الجزية من أهل المال. وقد أجاز النبي ﷺ لخالد أن يحاسب نفسه لما حبسه فيما يجب عليه من أعتد وأدراع، فدل على جواز إخراج القيمة في الزكاة، وفي إخراج الشاة عن خمس من الإبل، دليل على أن المراد قدرها من المال. وقاله العيني في عمدة القاري (٩/ ٨) تعليقا على حديث ابن لبون: لا مدخل له في الزكاة إلا بطريق القيمة لأن الذكر لا يجوز في الإبل إلا بالقيمة ولذلك احتج به البخاري أيضا في جواز إخراج القيمة مع شدة مخالفته للحنفية.
الوجه الثالث: وفيه بيان أنه إذا ثبت جواز أخذ القيمة سمي الزكاة المفروضة في الأعيان فجوازها في الرقاب أولى وهي صدقة الفطر.
الوجه الرابع: وفي حديث: «أوجب رسول الله ﷺ من التمر والشعير صاعا، ومن البر نصف صاع» دليل على أنه اعتبر القيمة.
الوجه الخامس: ثم أورد المصنف أدلة على أن الصحابة فهموا اعتبار القيمة ومراعاة المصلحة من النبي ﷺ إلى آخر ما ذكره في الكتاب.