شبهات الملحدين
أشهد أن لا اله إلا الله
حينما يَكتب الكاتبون عن الإيمان يبدؤون عادةً بإثبات وُجود الله ـ سبحانه ـ ويتخيَّلون أن هذه المسألة أهم ما في موضوع الإيمان، وهذا النهْج ـ فيما نرى ـ لا يُقرُّه دينٌ، ولا تُقره فِطرة.
إنّ الدين لا يَضع مسألة وُجود الله موضع بحْثٍ، وأن الفطرة السليمة لا تُقِرُّ بذلك.
لذا إن مسألة وجود الله لم تكن في يوم مِن الأيام محلَّ بحْثٍ عند ذوي الشعور الديني السليم. ولم ينشأ الجدَل في هذه المسألة إلا في العصر اليوناني: فهو العصر الذي جعل منها مشكلةً قابلةً للأخْذ والرَّدِّ والقبول والرفض.
أما الأغلبية العظمى مِن اليونان فقد اتبعوا التيار الذي يعتمد على العقل البشري اعتمادًا كُليًّا، وكان زعيمهم الأكبر في ذلك أرسطو فهو الذي وطَّد أركان العقل البشري، وأشاد به كأساس للبحْث في عالَم ما وراء الطبيعة وفي عالَم الفضيلة أو الخير.
وما كان العقل في يوم من الأيام ـ عند الحكماء المصريين أو حكماء الهنود ـ أهلاً لأنْ يكون مصدر المعرفة في عالَم الغيب .
وأخذ العقل ـ عقل أرسطو ومَن لفَّ لفَّهُ ـ يُجادل ويُماري في الحقائق ـ صغُرت أو كبُرت، دقَّتْ أو جَلَّتْ، واضحةً كانت كوضوح النهار أو خفيَّةً كأنها غُلِّفت بقِطْع من الليل المُظلم، وتجرَّأت أقلامهم على تناول الغيب وعالَم الخير بالإنكار أو الشك أو ترجيح الوجود أو تَوَجُّبِ العدَم.
ومِن القصص التي تُروَى على أنحاء شتَّى وبأساليب مختلفة تتفق في الجوهر وتختلف في الرسم ما يُحكى:
مِن أن بعض مشاهير العلماء ألَّف كتابًا ضخمًا في إثبات وُجود الله فأقام له أصدقاؤه حفلةَ تكريم مِن أجل عمله هذا الضخم، ومَرَّ بهم بعضُ الصالحين، فأخذوا يُحدثونه عن عبقرية المؤلِّف فسأل:
ومتى غابَ اللهُ حتى يكون في حاجةٍ إلى إثبات؟ فوَجم الجميع، ولم يستطع المؤلف الإجابة، وترَكهم الرجلُ الصالح وهو يُردد.
(قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلعبونَ).
قال رجل للإمام النووي المعروف: ما الدليل على الله؟
قال: الله ـ
قال الرجل: فما العقل؟
قال: العقل عاجز، والعاجز لا يدلُّ إلا على عاجز مثله:
مَن رامَ بالعقلِ مُسترشدًا ** سرْحه في حَيْرَةٍ يَلْهُو.
وشابَ بالتلبيسِ أسرارَهُ ** يقول في حَيرته هلْ هُو.
والنتيجة التي نُريد أن نصل إليها هي: أن رُوح القرآن إذًا هِيَ قيادةُ النفوس إلى التوحيد (ومَا أرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِن رَسولٍ إلَّا نُوحِي إليهِ أنَّهُ لا إِلَهَ إلَّا أنَا فَاعْبُدُونِ).
(وما أرسلناكَ إلَّا رَحمةً للعَالمينَ قُلْ إنَّمَا يُوحَى إليَّ أَنَّمَا إلهُكُمْ إِلَهٌ واحدٌ فَهَلْ أنتمْ مُسلمونَ).
.
ومِن روائع مُناجاة ابن عطاء السكندري :
إلهي كَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ بِما هُوَ فى وُجُودِهِ مُفْتَقِرٌ اِلَيْكَ ..
أيَكُونُ لِغَيْرِكَ مِنَ الظُّهُورِ ما لَيْسَ لَكَ .. حَتّى يَكُونَ هُوَ الْمُظْهِرَ لَكَ .
مَتى غِبْتَ حَتّى تَحْتاجَ اِلى دَليل يَدُلُّ عَليْكَ؟
وَمَتى بَعُدْتَ حَتّى تَكُونَ الاْثارُ هِىَ الَّتى تُوصِلُ اِلَيْكَ؟
عَمِيَتْ عَيْنٌ لا تَراكَ عَلَيْها رَقيباً …
وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْد لَمْ تَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصيباً .
.
الشيخ عبد الحليم محمود