بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
المقالة بالتَّفصيل
منْ منَّا لم يقرَأ مرارَاً وتَكرارَاً تلكَ القصَّةَ العَظيمةَ الّتي سَرَدها لنا البيانُ الإلَهيُّ فِي سورةِ يــس، عَن ذلكَ الرَّجلِ الّذي لم يكُن رَسولاً ولا نَبيَّاً بل رجُلَاً أنارَ الإيمانُ قلبَهُ فوافَقَ الإيمانُ قيماً وأخلاقاً فِي نَفسِهِ أهّلَه لأنْ يذكرَ مع ثلاثةٍ مِنَ المُرسلَينَ فِي سُورةٍ هِيَ قلبُ القرآنِ1 وجَعلَت تلكَ الأخلاقُ اسمَهُ يُنقَلُ إلينا كاملاً مَع بُعدِ المُدَّةِ والزَّمَنِ .
لقد آمَنَ حَبيبٌ النَّجارُ برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قبلَ بِعثَتِهِ بِستمائةِ سنةٍ 2 .
سألْتُ نفسي كثيرَاً عن صِفَةٍ من صفاتِ هَذا الدَّاعيةِ الّذي زكَّاهُ خالِقُ السَّماواتِ والأرضِ، وتفكَّرْتُ في ذلكَ القلبِ الّذي حَوى تلكَ الرَّحمةَ الكُبرى، أَيُعقَلُ لرجلٍ قُتِلَ وَطْئاً بِالأقدامِ حتَّى خَرَجَ قَصَبُهُ مِن دُبُرِهِ، ثُمَّ يتمنَّى بعدَها لِقومِهِ الإيمانَ ويصفَحُ عمَّن قَتَلَهُ على هَذهِ الشَّاكِلَةِ الشَّنيعةِ ؟؟!!
وما ذلكَ لشيءٍ إلّا للإيمانِ باللهِ وَحدَهُ، ثمَّ بعدَ هذا الصَّفحِ تراهُ يتمنَّى لهم الهدايةَ لِيَصِلُوا إلى مَا وَصَلَ إلَيهِ ولِيَنالَوا منَ الخَيرِ ما نالَهُ مِنَ اللهِ مَولاهُ ربُّ العالمينَ !!
إنَّ قصَّةَ هذا الرُّجلِ المَجذومِ الّذي عبدَ الأصنامَ سَبعينَ سَنَةً يَرجوهم لِشِفَائِهِ، ثمَّ شفاؤُهُ بعدَ إيمانِهِ باللهِ تَعالى، ثمَّ ما كانَ عَلَيه حَالُهُ مِن قَسْمِ كَسبِهِ ((نِصفٌ يتصدَّقُ بهِ، ونصفٌ يُطعمُهُ أهلَهُ))أأأأأهبررنتن إلى غَيرِ ذلكَ ممَّا وردَ، يُظهِرُ لَنا عَدداً من صِفَاتِ الدَّاعي الحقيقيِّ الّذي لا يتكلَّمُ وينطِقُ بالدَّعوةِ فَحسب، بَل يعيشُهَا بِكُلِّهِ .
وسأوردُ إيرادَاً مَا يُستفادُ من صِفاتِ صَاحبِ يَاسينَ 3 هذا في الآياتِ الثَّمان الّتي تحدَّثَتْ عن خَبَرِهِ مع قَومِهِ.
أَختُمُ مَقَالَتِي بِالإشَارَةِ إلى أنَّ الدَّعوةَ لَيسَتْ كِتابةً أو قِراءةً أو خُطبَةً فَحسب، بَل هِيَ امتزاجُ أوصافٍ كَريمةٍ فِي نُفوسٍ شَريفةٍ، وإيمانٌ راسِخٌ في قَلبٍ مُنيرٍ .
وكتبه الأستاذ مهند الصَّاغرجي
دمشق الشام 11/ ربيعُ الأنوارِ/ 1443هـ.
——————–