حكم تهنئةِ النّصارى بعيد الميلاد وطباعة بِطاقات التهنئةِ بأعياد المِيلاد والتِّجارة بها :
فضيلة الشيخ مصطفى الزرقا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يُرجَى بيان الحكم الشرعي في الأمور التالية:
1 – تهنئة النّصارَى بعيدِ المِيلاد وعيد رأس السّنة الميلاديّة.
2 – طِباعة بطاقات التّهنئة الخاصّة بأعياد المِيلاد ورأس السّنة وعيد الميلاد الشّخصِيّ.
3 – تجارة بيع بطاقات التهنئة المذكورة سابقًا.
جزاكم الله عنا الخير الجزيل
أنس محمد الصباغ
الجواب:
ابنُ الأخ الكريم أنس الصباغ:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
جوابًا على أسئلتكم عن تهنئةِ النّصارَى بعيد الميلاد… إلخ
إنّ تهنئةَ الشّخص المُسلِم لمعارِفه النّصارَى بعيدِ ميلاد المَسيح ـ عليه الصّلاة والسلام ـ هي في نظري من قَبيل المُجاملة لهم والمحاسَنة في معاشرتهم. وإن الإسلام لا ينهانا عن مثل هذه المجاملة أو المحاسَنة لهم، ولا سيّما أنّ السيد المَسيح هو في عقيدتنا الإسلاميّة من رسل الله العِظام أولي العزم، فهو مُعظَّم عندنا أيضًا، لكنهم يُغالُون فيه فيعتقدونَه إلهًا، تعالى الله عما يقولون عُلُوًّا كبيرًا.
ومن يتوهَّم أنّ هذه المُعايَدةَ لهم في يوم ميلاده ـ عليه السلام ـ حَرام؛ لأنّها ذات عَلاقة بعقيدتِهم في ألوهيَّته فهو مُخطئ، فليس في هذه المجامَلة أي صِلة بتفاصيلِ عقيدتِهم فيه وغُلُوِّهم فيها.
وقد نُقل أن نبيَّنا محمّدًا ـ صلّى الله عليه وسلم ـ مرَّت به وهو بين أصحابه جنازَة يهوديّ فقامَ لها فهذا القيامُ قد كان تعبيرًا عمّا للموت من هيبةٍ وجلال، ولا عَلاقةَ له بعقيدةِ صاحب الجنازة.
والمسلمُ مطلوب منه أن يُظهِرَ محاسِنَ الإسلامِ واعتدالَه لغير المسلمين، ولا يُجبِرهم إذا كانوا من رعاياه وأهل ذِمّته على اعتناق الإسلام، بل يتسامَح معهم ويترُكهم على ما يُدينون به .
أضفْ إلى ذلك حال المسلمين اليوم من الضَّعف بين دول العالم، وتآمُر الدول الكبرى عليهم واتِّهامِهم بأنّهم إرهابيّون ومتعصِّبون لا يُطْمَأن إليهم إلى آخر المعزوفةِ.. وحاجةِ المُسلمين اليوم إلى تغيير الصُّورة القاتمة عنهم الَّتي يصوِّرهم بها العالَم الأجنبيّ.
ولا سيِّما أن المسلمَ قد يأتيه في عيده ((الفطر والأضحى)) معارِفُ له من النّصارى يُهنِّئونه فيه. فإذا لم يَرد لهم الزِّيارةَ في عيدِ الميلاد، كانَ ذلك مؤيِّدًا لِما يتَّهَم به المسلمون من الجَفوةِ، وعدمِ استعدادِهم للائتلافِ مع غيرهم، والمُحاسَنة في التَّعامُل.
وما يُقالُ عن التَّهنئِة بعيد الميلاد يقالُ عن رأسِ السَّنة المِيلاديَّة بطريقِ الأولويَّة، لأنَّ رأسَ السَّنةِ الميلاديّة لا صلة لها بالعقيدةِ، وإنّما هو مجرَّد بدايةٍ التَّاريخ.
وقد كانَ الصَّحابة الكِرام حينَ جمعهُم سيدُنا عمر ـ رضيَ الله عَنه ـ للمذاكَرةِ في تعيِين حَدَثٍ يكونُ مبدأً لحِسابِ السِّنين (التَّاريخ) طَرحوا فيما طَرحوا من آراء أن يُعتَمَدَ تاريخ الرومِ، أو تاريخ اليهودِ، فلو كان هذا حرامًا لما عَرَضوه.
وإذا عرَفنا الرأي الشرعي في التهنئة يُعرَف حكم طباعة البِطاقات والمُتاجَرة بها؛ لأن ما كان من وسائل المُباح فهو مباح .
لكن هنا نقطة توقُّف مُهِمٍّ يجب الانتباه إليها .
فإذا كانت تهنئة المسلِم للنَّصارى في ذلك مُباحة فيما يَظهر لأنَّها من قبيلِ المجاملة والمحاسَنة في التّعامُل، فإن الاحتفال برأس السَّنة الميلاديَّة وما يجري فيه من مُنكَرات هو أمرٌ آخرٌ فيه تقليدٌ واتباعٌ من المسلمينَ لغيرِهم في عاداتٍ وابتهاجٍ ومنكَراتٍ يجعلُها مِن قَبيلِ الحَرام .
هذا ما يبدُو لي، والله سبحانه أعلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مُصطفى أحمد الزَّرقا
————————————————————————————————————-
فتوى الشيخ الدكتور شرف محمود القضاة، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وأحد أبرز علماء الدين في الأردن والعالم الإسلامي في علم الحديث،
وهذا هو نص فتواه: «يكثر السؤال في هذه الأيام عن حكم تهنئة المسيحيين بأعيادهم،
وللجواب عن ذلك أقول:
إن الأصل في هذا الإباحة، ولم يرد ما ينهى عن ذلك، وكل ما سمعته أو قرأته لمن يحرمون هذه التهنئة أن في التهنئة إقراراً لهم على دينهم الذي نعتقد أنه محرف، ولكن الصحيح أنه لا يوجد في التهنئة أي إقرار، لما يلي:
أولاً: لأننا لا نعد تهنئتهم لنا بأعيادنا إقرارا منهم بأن الإسلام هو الصحيح، فالمسلم لا يقصد بالتهنئة إقراراً على الدين، ولا هم يفهمون منا ذلك.
ثانياً: أن الله تعالى أمرنا بمعاملتهم بالحسنى فقال تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين). والبر هو الخير عموما، فقد أمرنا الله تعالى بمعاملتهم بالخير كله، فتكون معاملتهم بالخير ليست جائزة فقط بل هى مستحبة، فكيف يحرم بعد ذلك تهنئتهم بنحو قولك: كل عام وأنتم بخير، فإننا لا شك نحب لهم الخير، وقد أمرنا الله بذلك.
ثالثاً: لأن الله تعالى شرع لنا التحالف معهم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة المنورة.
رابعاً: أن الله تعالى شرع لنا زيارتهم في بيوتهم واستقبالهم في بيوتنا، والأكل من طعامهم، بل والزواج منهم، مع ما في الزواج من مودة ورحمة، ولا يقال: إن في ذلك كله نوعا من الإقرار لهم بأن دينهم هو الحق، فكيف يجوز ذلك كله ولا تجوز تهنئتهم.
والله أعلم.