التفصيل :
حكمُ ضربِ الطّفلِ بقصدِ التَّربيةِ :
أولاً : السُّؤالُ قبلَ أن يكونَ تربويّاً ينبغي أن نسألَ هلْ يجوزُ شرعاً أم لا ؟
الجوابُ : السّنّةُ المطهرةُ وردَ فيها مسألةُ الضّربِ و أجازَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم الضّربَ في أحوالٍ مخصوصةٍ .
ففي الحديثِ : (مُرُوا أولادَكم بالصّلاةِ و هم أبناءُ سبعٍ واضربوهم عليها ” الصلاة ” وهم أبناءُ عشرٍ) [رواهُ أحمد]
وفي حديثِ معاذ : أوصاني رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم بعشرِ كلماتٍ: وعدَّ العاشرةَ فقال : (ولا ترفعْ عنهم عصاكَ أدباً وأخفْهم في اللهِ ) .
لذلكَ قالَ الفُقهاءُ يُضرَبُ الولدُ :
1ــ إن لم تكنْ وسيلةً أُخرى تُجدي من غيرِ ضربٍ، فإن وُجِدتْ فلا يُضرَبُ.
قالَ الفُقهاء : ” يُؤَدَّبُ الصَّبِيُّ بِالأْمْرِ بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرَاتِ بِالْقَوْل، ثُمَّ الْوَعِيدِ، ثُمَّ التَّعْنِيفِ، ثُمَّ الضَّرْبِ، إِنْ لَمْ تُجْدِ الطُّرُقُ الْمَذْكُورَةُ قَبْلَهُ، وَلاَ يُضْرَبُ الصَّبِيُّ لِتَرْكِ الصَّلاَةِ إِلاَّ إِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ ” . [الموسوعة الفقهية الكويتية (10/ 24)] .
2 ـ وإن كانَ ولا بدَّ فضرباً غيرَ مبرحٍ أي غيرَ مؤذٍ فلا يجوز أن يضرب فوق ثلاث .
قال في الموسوعة الفقهية: ” وَأَمَّا ضَرْبُ الصَّبِيِّ فِي التَّأْدِيبِ فَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ الضَّرْبُ بِسَوْطٍ وَنَحْوِهِ، وَإِنَّمَا يَضْرِبُ بِيَدٍ، وَلاَ يُجَاوِزُ ثَلاَثًا، وَكَذَا: الْمُعَلِّمُ وَالْوَصِيُّ ” .
3 ــ دونَ الوجهِ فيكرهُ الضربُ على الوجهِ وقيلَ يُحرمُ .
4 ــ ويُضربُ بيدٍ لا بعصاةٍ أو خشبةٍ .
5- ويضربُ على تفريطهِ للقيمِ والمبادئِ كسوءِ الأدبِ و كتركهِ الفرائضَ دونَ النوافلِ .
قالَ الشّيخُ عبدُ القادرِ الجيلاني: ” فلا يُضربُ على تركِ حفظِ القرآنِ ويُضربُ على ما فيهِ سوءُ أدبِ ” .
6- وشرط في تأديب المعلم أن يكون بإذن وليه فإن لم يأذن فلا يحق له ضربه .
قال في الموسوعة الفقهية الكويتية (13/ 13):
“الضَّرْبُ لِلتَّعْلِيمِ: لِلْمُعَلِّمِ ضَرْبُ الصَّبِيِّ الَّذِي يَتَعَلَّمُ عِنْدَهُ لِلتَّأْدِيبِ. وَبِتَتَبُّعِ عِبَارَاتِ الْفُقَهَاءِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُمْ يُقَيِّدُونَ حَقَّ الْمُعَلِّمِ فِي ضَرْبِ الصَّبِيِّ الْمُتَعَلِّمِ بِقُيُودٍ مِنْهَا :
أ – أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ مُعْتَادًا لِلتَّعْلِيمِ كَمًّا وَكَيْفًا وَمَحَلًّا، يَعْلَمُ الْمُعَلَّمُ الأَمْنَ مِنْهُ، وَيَكُونُ ضَرْبُهُ بِالْيَدِ لاَ بِالْعَصَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجَاوِزَ الثَّلاَثَ، رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَال لِمِرْدَاسٍ الْمُعَلِّمِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِيَّاكَ أَنْ تَضْرِبَ فَوْقَ الثَّلاَثِ، فَإِنَّكَ إِذَا ضَرَبْتَ فَوْقَ الثَّلاَثِ اقْتَصَّ اللَّهُ مِنْكَ .
ب – أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ، لأِنَّ الضَّرْبَ عِنْدَ التَّعْلِيمِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ، وَإِنَّمَا الضَّرْبُ عِنْدَ سُوءِ الأْدَبِ، فَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ مِنَ التَّعْلِيمِ فِي شَيْءٍ، وَتَسْلِيمُ الْوَلِيِّ صَبِيَّهُ إِلَى الْمُعَلِّمِ لِتَعْلِيمِهِ لاَ يُثْبِتُ الإْذْنَ فِي الضَّرْبِ، فَلِهَذَا لَيْسَ لَهُ الضَّرْبُ، إِلاَّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِيهِ نَصًّا.
وَنُقِل عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلُهُمْ: الإْجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ مُطَّرِدٌ بِجَوَازِ ذَلِكَ بِدُونِ إِذْنِ الْوَلِيِّ .
ج – أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ يَعْقِل التَّأْدِيبَ، فَلَيْسَ لِلْمُعَلِّمِ ضَرْبُ مَنْ لاَ يَعْقِل التَّأْدِيبَ مِنَ الصِّبْيَانِ
قَال الأْثْرَمُ: سُئِل أَحْمَدُ عَنْ ضَرْبِ الْمُعَلِّمِ الصِّبْيَانَ، قَال: عَلَى قَدْرِ ذُنُوبِهِمْ، وَيَتَوَقَّى بِجَهْدِهِ الضَّرْبَ وَإِذَا كَانَ صَغِيرًا لاَ يَعْقِل فَلاَ يَضْرِبُهُ ” .
هذا من حيث الشَّرعِ ، أمّا من حيثُ التَّربيةِ :
فأهلُ التَّربيةِ قالُوا : لولا المربِّي ما عرفتُ ربِّي ، والعصا لمن عصا .
وقالُوا : الولدُ لا يُضرب إلا عند الضَّرورةُ فآخرُ الطِّب الكيُّ لذلكَ قالُوا : إن كانَ يفيدُ صوتي فلا أرفعُ سَوطي .
وقالُوا : الضَّربُ يكونُ للزَّجرِ لا للتَّشفي لذلكَ كانَ المربونَ يضربونَ برفقٍ بقصدِ التّربيةِ و النّصحِ، بعكسِ ضربِ أولادنا اليومَ فنضربُهم حتّى نتشفى منهم و يرتوي غليلُنا .
وقالُوا : كثرةُ الضّربِ تقتلُ الإباءَ في الطّفلِ فتجعلهُ كالحيوانِ لا يمشي إلا بالضّربِ .
وقالُوا : الضّربُ كالدّواءِ لا كالطّعامِ و الشّرابِ ، والتفريطُ في أخذِ الدّواءِ قاتلٌ أو مهلكٌ .
وختاماً: لقد رأيتُ كثيراً من الآباءِ النّاجحينَ مع أولادِهم لا يضربونَ ولا يشتمونَ بل يلجؤونَ إلى وسائلٍ نافعةٍ كالحرمانِ من النَّشاطاتِ أو بعضَ الألعابِ أو الهجرانِ .
ورحمَ اللهُ الشّيخَ السّباعي حينَ قال : ” القسوةُ في تربيةِ الولدِ تحملهُ على التّمردِ، والدلالُ في تربيتهِ يعلِّمهُ الانحلالَ، وفي أحضانِ كليهما تنمو الجريمةُ. إفراطُكَ في القسوةِ على ولدِكَ، يقطعهُ عنكَ، وإفراطُكَ في تدليلهِ يقطعكَ عنهُ، فكن حكيماً وإلا أفلتَ من يدكَ الزمامَ ” .
قال ابن الجوزي رحمه الله :
ابنُك ريحانتُك سبعَ سنين
ثم خادِمُك سبعَ سنين
فإن صارَ ابنُ أربعَ عشرةَ سنة
فإن أحسنتَ إليهِ فهوَ شريكُك
وإن أسأتَ إليهِ فهوَ عدوُّك
ولا ينبغي أن يُضرب بعد البُلوغِ
ولا أن يُساءَ إليهِ، لأنَّه حينئذٍ يتمنَّى فقدَ الوالِد ليستبدَّ برأيِه
[ شرحُ كتابِ الطِّبِّ الرُّوحانيِّ لأبي الفرجِ ابن الجوزيّ ]
ألهمَنا اللهُ و إيّاكم الحكمةَ و السّدادَ في تربيةِ أولادِنا ووفقَنا لما فيهِ سعادتهم في الدّارين .