بسم الله الرحمن الرحيم
الشُّبهة وردُّها بالتَّفصيل :
تقولُ الشُّبهة :
يقولُ اللهُ تعالى: { كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ } [الأنفال: 5] ففيها من سوء التأليف ومن نسق الكلام ما ينبو عنه ولا يليق به، فقد ذكر الله هذه الآية عقيب قوله تعالى: { أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } [الأنفال: 4]، والمعلومُ أنَّ (كَمَا) في تشبيهِ شيءٍ بشيءٍ ولمْ يتقدَّمْ مِن أوَّلِ الكلامِ مَا يُشبّهُ بِهِ ؟!
الرَّدُّ مفصَّلاً :
في هذهِ الآيةِ وجوهٌ ذَهَبَ إليها أهلُ التَّفسيرِ والتَّأويلِ وكلُّها مُحتَمَلَةٌ، فأيُّها اعتُمِدَ عَليها وعُلقتِ الكَّافُ صحَّ الكلامُ، فقالَ بعضُهم: إنَّ اللهَ تعالى أمرَ رسولَهُ ﷺ أنْ يَمضي لأمرِهِ فِي الغَنائمِ عَلى كرهٍ من أصحابِهِ، كَما مَضَى لأمرهِ في خروجِهِ مِن بَيتهِ لِطَلَبِ العِيرِ وَهُم كَارِهُونَ، وذَلكَ أنَّهم فِي يومِ بَدرٍ اختَلَفوا في الأنفالِ وحَاجُّوا النَّبيَّ ﷺ وجادَلُوه، فكَرِهَ كثيرٌ منهم مَا كانَ مِن رسولِ اللهِ ﷺ في النَّفلِ، فأنزلَ اللهُ الآيةَ وأنفذَ أمرَهُ فيها، وَأمَرهُم أنْ يتَّقُوا اللهَ وأنْ يُطِيعُوهُ وَلَا يَعتَرِضُوا عَلَيه فِيما يَفعلُهُ مِن شَيءٍ فيما بعدُ إنْ كانوا مؤمنينَ، فَوَصفَهُم بِقَوله تَعالى: { كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ } [الأنفال: 5] يُريدُ أنَّ كَراهتَهُم لِما فَعَلْتَهُ مِنَ الغَنائمِ ككَراهَتِهِم فِي الخُروجِ مَعَكَ، وقد حَمدُوا عاقِبَتَهُ فَلْيصبروا في هذا ولْيُسلِّمُوا ويَحمَدُوا عَاقِبَتَهُ كذلكَ.
وقيلَ معناهُ أولئكَ همُ المؤمنونَ حَقَّاً كما أخرَجَكَ ربُّكَ مِن بيتِكَ بالحَقِّ وذلِكَ كَقَولِهِ تَعالى: { فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ } [الذاريات: 23] .
وقيلَ (كَمَا) صِفةٌ لفعلٍ مُضمَرٍ تَقديرهُ (افعلْ) والمعنى: افعلِ الغَنائمَ كَما فعلْتَ في الخُروجِ إلى بدرٍ وإنْ كَرِهَ القومُ ذلكَ، فشبَّهَ كَراهتَهُم مَا جرى في أمرِ الأنفالِ وقسمها بالكراهةِ في مخرجِهِ من بيتِهِ، وكلُّ مالا يتمُّ الكلامُ إلا بهِ من صفةٍ أو صِلةٍ فَهو كنفسِ الكلامِ، كَقَولِهِ سُبحانه: { كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ} [البقرة: 151] معناه : كما أنعمْنَا عَليكم بإرسالِ رَسولٍ فِيكُم مِن أنفُسِكُم كذلكَ أُتمُّ نعمتي عَليكم .
أ. مَدْيَن عَرَفَة