الصلاة والتسليم بعد الأذان
(السؤال): ما حكم الصلاة والسلام على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عقب الأذان؟
(الجواب): كثر السؤال قديمًا وحديثًا عن حكم الصلاة والتسليم على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عقب الأذان بالصيغة التي تَعَارَف أكثر المؤذنين في القرى والأمصار في بلادنا وغيرها منذ قرون.
مما لا خلاف فيه أن الصلاة والتسليم على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مطلوبان شرعًا، وهما من خصائص هذه الأمة تكريمًا لرسولها وإعظامًا لمن أَذِنَ الله ـ تعالى ـ أن يَقْرِنَ اسمه باسمه في الأذان والصلاة تَشْريفًا له وإعلامًا بعظيم قَدْرِه عند ربه، وجعل الشهادة له بالرسالة شطر الإيمان وسبيل رضا الرحمن، قال الله تعالى: (إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) فلَم يُقَيِّد الأمر ـ وهو دَالٌّ على الوجوب ـ بحال دون حال ولا بوقت دون وَقْت، بل أَطْلَقَ ليأتيَ المُكلَّف بما يخرج به عن العهدة في كل حال ووقت، وقد ذهب جمع من فقهاء المذاهب ـ كما نقله الألوسي في تفسيره ـ إلى وجوب الصلاة والسلام كُلما ذُكِرَ أو سُمِعَ ذِكْره على الذاكر والسامع، صلى الله عليه وسلم. ولا خلاف في أن الأذان الشرعي في عهد النبوة والصدر الأول وما بعده إلى أواخر القرن الثامن كان خِلْوًا من ذِكْر الصلاة والتسليم عَقِبه، وإنما استُحْدِثَا في سنة 791هـ في أيام السلطان الناصر في عشاء ليلة الإثنين فقط، ثم فيها وفي يوم الجمعة، ثم في كل الأوقات ما عَدَا المغربَ في كل الأيام، كما في شَرْح الدر وحاشيته عن الحافظ السخاوي في “القول البديع” فهو أمر مستَحدَث بلا خلاف، ثم وَقَعَ الخلاف بين الفقهاء فيه هل هو بِدْعَة حسنة أو غير حسنة. وصَوَّب الحافظ السخاوي والإمام السيوطي أنه بِدْعَة حسنة، ومثله شارح الدر من الحنفية والقطب الدردير من أئمة المالكية في شرحه الكبير على متن خليل، والعلامة الدسوقي في حاشيته عليه، وقد أفتى بذلك شيخنا الفقيه الحجة الشيخ محمد بخيت المطيعي الحنفي مفتي الديار المصرية، رحمه الله. فتاوى حسنين مخلوف (ص: 296)
نصوص الفقهاء
جاء في (الموسوعة الفقهية الكويتية – باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الآذان – ):
“الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعد الأذان :
يرى الشّافعيّة والحنابلة أنّ الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم من المؤذّن بعد الأذان سنّة ، وعندهم يسنّ للمؤذّن متابعة قوله سرّاً مثله كالمستمع ليجمع بين أداء الأذان والمتابعة ، وروي عن الإمام أحمد أنّه كان إذا أذّن فقال كلمةً من الأذان قال مثلها سرّاً ؛ ليكون ما يظهره أذاناً ودعاءً إلى الصّلاة ، وما يسرّه ذكراً للّه تعالى فيكون بمنزلة من سمع الأذان . بذلك يمكن أن يشمل المؤذّن الأمر الوارد في قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « إذا سمعتم المؤذّن فقولوا مثل ما يقول ، ثمّ صلّوا عليّ فإنّه من صلّى عليّ صلاةً صلّى اللّه عليه بها عشراً ، ثمّ سلوا اللّه لي الوسيلة فإنّها منزلة في الجنّة لا ينبغي أن تكون إلاّ لعبد من عباد اللّه وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل اللّه لي الوسيلة حلّت عليه الشّفاعة »” .
وجاء في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة 1\326- للإمام الجزيري : “الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عقبه – أي الأذان – مشروعة بلا خلاف سواء كانت من المؤذن أو من غيره لما رواه مسلم : إذا سمعتم المؤذن …. الحديث ” ثم صلوا علي ” عام يشمل المؤذن وغيره من السامعين ولم ينص الحديث على ان تكون الصلاة سراً فإذا رفع المؤذن صوته بالصلاة بتذكير الناس بهذا الحديث ليصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم كان حسناً “.
قال الحافظُ السيوطيُّ في كتابه الوسائل إلى مسامرة الأوائل (ص 9) ما نصُّه: “أولُّ ما زِيدَ الصلاةُ والسلامُ بعدَ كلِ أذانٍ في المنارة في زَمَنِ السلطان حاجِي بن الأشرفِ شعبانَ بنِ حسين بن الناصِر محمدِ بنِ المنصورِ قلاوون بأَمْرِ الـمُحْتَسِبِ نـَجْمِ الدّين الطنبدِيِّ وذلك في شعبان سنة إحدى وتسعين وسبعمائة (791هـ) وكان حدَث قبلَ ذلك في أيّامِ السلطان صلاحِ الدِين بنِ أيوب أن يُقالَ في كلِ ليلةٍ قَبل أذانِ الفَجْرِ بمصرَ والشامِ (السلامُ على رسولِ الله) واستَمَرَّ ذلك إلى سنة سبعٍ وستينَ وسبعِمائةٍ فزِيدَ بأَمرِ المـُحتَسِب صلاحِ الدِين البُرُلّسِي أن يُقال: (الصلاةُ والسلامُ عليك يا رسول الله)، ثم جُعِل عَقِب كُلِ أذانٍ سنةَ إحدى وتِسعينَ”.
قال الشيخُ محمدٌ علاءُ الدِين الحَصْكَفِيُّ الحنفيُّ في كِتابه الدُرّ المختار ما نصُّه :”فائدة: (حَدَثَ) التسليمُ بعد الأذانِ في ربيع الآخر سنة سبعمائة وإحدى وثمانين في عِشاء ليلة الإثنين، ثم يوم الجمعة، ثم بعد عشر سنين حَدَث في الكُلِ إلا المغربَ، ثم فِيها مَرَّتَين، وهو بِدعةٌ حَسَنةٌ) انظر حاشية ابن عابدين (ج 1، ص 390″.
قال الشيخُ شمس الدين محمد عرفة الدسوقي المالكي في حاشيته على الشرح الكبير (ج 1، ص 193) ما نصُّه :”وأمّا الصلاةُ على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذانِ فبِدعةٌ حسنةٌ”.
قال الحافظُ السخاويُّ الشافعي وهو تلميذ الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه القولُ البَديع في الصلاةِ على الحَبيب الشَفيع (ص 92) ما نصُّه:”قد أَحْدَثَ المؤذّنُون الصلاةَ والسلامَ علَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عَقِبَ الأذانِ للفَرائِضِ الخَمْسِ إلا الصُّبْحَ والجُمُعَةَ، فإنَّهُم يُقَدِّمُون ذلك فيها علَى الأَذانِ وإلا المغربَ فإنَّهُم لا يَفْعَلُونَه أصلاً لِضِيقِ وَقْتِها، إلى أن قال وقَد اخْتُلِف في ذلك هل هو مُسْتَحَبٌّ أو مَكروهٌ أو بِدعَةٌ أو مَشروعٌ، واستُدِلَّ للأَوَّل (أي الاستحباب) بقَوله تعالى ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ﴾ ومَعلُومٌ أنَ الصلاةَ والسلامَ مِن أَجَلِّ القُرَبِ لا سِيَّما وقَد تَوارَدَت الأخبارُ على الحَثِّ علَى ذلك مَعَ ما جاءَ في فَصلِ الدُّعاء عَقِبَ الأذانِ والثُّلُثِ الأخيرِ مِن اللَّيل وقُرْبَ الفَجْرِ والصَّوابُ أنه بِدعةٌ حسنةٌ يُؤْجَرُ فاعِلُه بـِحُسْنِ نِيَّتِه” انتهى كلامه، ونَقَله عنه الحَطَّاب المالكيُّ في كتابه مواهب الجليل (ج 1، ص430) وأَقَرَّه.
وفي كتاب مُنتهَى الإرادات للحنابلة (ج 1، ص113 – 114) ما نصُّه:”وسُنَّ لمؤذِّنٍ وسَامِعٍ أنْ يُصَلِّيَ علَى النَبِيّ صلى الله عليه وسلم”.