بسم الله الرحمن الرحيم
الشُّبهة وردُّها بالتَّفصيل :
تقولُ الشُّبهة :
يقولُ اللهُ تَعالى: { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ } [الحجر: 85]، ويقولُ أَيضَاً: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التوبة: 73] فالآيةُ الأولى تحثُّ على الصَّفحِ الجَميلِ، والآيةُ الثَّانيةُ تأمرُ بالجهادِ والقِتال ِوالغلظةِ.
وهذا تَنَاقضٌ ظَاهرٌ وواضِحٌ!
- الرَّدُّ مفصَّلاً :
- قول الله تعالى: { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ } [الحجر: 85] هي مكيَّةٌ، فلم يأذنِ المَولَى ﷻ لِلمؤمنينَ بِالقتالِ في ذلكَ الوقتِ، إذْ لم تَكنْ للمسلمينَ آنذاكَ دولةٌ ولا سلطةٌ، بل كانَ اللهُ ﷻ يرسِّخُ فيهم الإيمانَ والصَّبرَ؛ لِتَحمُّلِ أعباءِ الرِّسالةِ والدَّعوةِ إلى اللهِ تَعالى، و{ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا } [آل عمران: 141].
لكن بعدَ أنْ هاجرَ المسلمونَ إلى المدينةِ المنوّرةِ، وصارَ لهم فِيها دولةٌ وقوّةٌ ومنَعةٌ، وصارتْ المدينةُ دارَ إسلامٍ، أذِنَ اللهُ تعالى لنَبيِّهِ ﷺ ولِلمُسلمينَ الّذينَ مَعهُ بالجِهَادِ فِي سَبيلِ اللهِ؛ دِفَاعَاً عَن أَنفسهِم؛ وقِتَالاً لكلِّ مَن يقفُ في وجهِ الدَّعوةِ الإسلاميَّةِ منَ الكفَّارِ والمنافقينَ؛ لذلكَ قالَ تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } [التوبة: 73] فالآيةُ مدنيَّةٌ باتِّفاقٍ، فَلا يوجدُ تناقضٌ إذن.
- (آية الحجر) حسبَ السّياقِ تتحدَّثُ عن أخلاقِ الدُّعاةِ ورَحمَتِهمْ بالنَّاسِ المَدعوِّينَ إلى الإسلامِ، أمَّا (آيةُ التَّوبةِ) فَهِيَ تَحثُّ على قتالِ الكُفَّارِ والمُنافقينَ المُحارِبِينَ لدينِ اللهِ ﷻ، فموردُ الآيتينِ مختلفٌ؛ لذلكَ ليسَ ثمَّةَ تناقضٌ بينَهُمَا.
- لَو فرضْنَا جَدَلاً أنَّ (آيةَ الحجرِ) في الكفَّارِ، فهيَ في الكفَّارِ غَيرِ المُحاربينَ، كأهلِ الكتابِ وَغيرهم ممَّن لا يُحاربونَ الإسلامَ ولا يَكيدونَ لَهُ، فَهؤلاءِ أمَرَنَا اللهُ ﷻ أنْ نُحسِنَ التَّعاملَ مَعَهم، ولا أنْ نخاشِنَهُم في القَولِ أو الفِعلِ، كما يقولُ تَعالى: { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [الممتحنة: 8]، ويقول أيضاً: { وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا } [الإسراء: 53]، ويقول أيضاً: { وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ } [التوبة: 6]، فأينَ التناقضُ حينئذٍ؟!
أ. مَدْيَن عَرَفَة