فوائد في الفقه الحنفي
هل نفقة طالب العلم على أبيه ؟
الجواب مختصراً :
طالبُ العلمِ نَفقَته على والدِه بشروطٍ ذكرها الفقهاء :
قال ابن عابدين: ” وَأَقُولُ الْحَقُّ الَّذِي تَقْبَلُهُ الطِّبَاعُ الْمُسْتَقِيمَةُ وَلَا تَنْفِرُ مِنْهُ الْأَذْوَاقُ السَّلِيمَةُ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهَا لِذِي الرُّشْدِ لَا غَيْرِهِ، وَلَا حَرَجَ فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُصْلِحِ وَالْمُفْسِدِ لِظُهُورِ مَسَالِكِ الِاسْتِقَامَةِ وَتَمْيِيزِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ ” . [ الدر المختار وحاشية ابن عابدين ( رد المحتار ) ]
نصوص الفقهاء مفصلة :
سُئل ابن عابدين في العُقُودِ الدُّرِّية :
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ الشَّرِيفِ لَا مَالَ لَهُ وَلَا يُحْسِنُ الْكَسْبَ لِكَوْنِهِ مِنْ ذَوِي الْبُيُوتِ
وَهُوَ مُدَرِّسٌ وَلَهُ أَبٌ مُوسِرٌ فَهَلْ تَكُونُ نَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ؟
(الْجَوَابُ) : نَعَمْ ذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْحَلْوَانِيُّ وَإِذَا كَانَ الِابْنُ مِنْ أَبْنَاءِ الْكِرَامِ وَلَا يَسْتَأْجِرُهُ النَّاسُ فَهُوَ عَاجِزٌ وَكَذَا طَلَبَةُ الْعِلْمِ إذَا كَانُوا عَاجِزِينَ عَنْ الْكَسْبِ لَا يَهْتَدُونَ إلَيْهِ لَا تَسْقُطُ نَفَقَاتُهُمْ عَنْ آبَائِهِمْ إذَا كَانُوا مُشْتَغِلِينَ بِالْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ لَا الْعَقْلِيَّةِ وَالْخِلَافَاتِ الرَّكِيكَةِ وَهَذَيَانَاتِ الْفَلَاسِفَةِ وَبِهِمْ رُشْدٌ وَإِلَّا لَا تَجِبُ. لِسَانُ الْحُكَّامِ..انتهى من العقود الدرية ج١ ص٧١. وكذا في المحيط البرهاني ج٣ ص٥٧٣
قال ابن نجيم الحنفي في البحر:
وَفِي الْقُنْيَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَى أَبِي حَامِدٍ قَوْلُ السَّلَفِ بِوُجُوبِ نَفَقَةِ طَالِبِ الْعِلْمِ عَلَى الْأَبِ لَكِنْ أَفْتَى بِعَدَمِ وُجُوبِهَا لِفَسَادِ أَحْوَالِ أَكْثَرِ طَلَبَةِ الْعِلْمِ فَإِنَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ حَسَنَ السَّيْرِ مُشْتَغِلًا بِالْعُلُومِ النَّافِعَةِ يُجْبَرُ الْآبَاءُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا يُطَالِبُهُمْ فُسَّاقُ الْمُبْتَدِعَةِ الَّذِينَ شَرُّهُمْ أَكْثَرُ مِنْ خَيْرِهِمْ يَحْضُرُونَ الدَّرْسَ سَاعَةً بِخِلَافِيَّاتٍ رَكِيكَةٍ ضَرَرُهَا فِي الدِّينِ أَكْثَرُ مِنْ نَفْعِهَا، ثُمَّ يَشْتَغِلُونَ طُولَ النَّهَارِ بِالسُّخْرِيَةِ وَالْغِيبَةِ وَالْوُقُوعِ فِي النَّاسِ مِمَّا يَسْتَحِقُّونَ بِهِ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ فَيَقْذِفُ اللَّهُ الْبُغْضَ فِي قُلُوبِ آبَائِهِمْ وَيَنْزِغُ عَنْهُمْ الشَّفَقَةَ فَلَا يُعْطُونَ مُنَاهُمْ فِي الْمَلَابِسِ وَالْمَطَاعِمِ فَيُطَالِبُونَهُمْ بِالنَّفَقَةِ وَيُؤْذُونَهُمْ مَعَ حُرْمَةِ التَّأْفِيفِ، وَلَوْ عَلِمُوا بِسِيرَتِهِمْ السَّلَفُ لَحَرَّمُوا الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِمْ وَمَنْ كَانَ بِخِلَافِهِمْ نَادِرٌ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَلَا يُفْرَدُ بِالْحُكْمِ دَفْعًا لِحَرَجِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُصْلِحِ وَالْمُفْسِدِ.
قُلْتُ: لَكِنْ نَرَى طَلَبَةَ الْعِلْمِ بَعْدَ الْفِتْنَةِ الْعَامَّةِ الْمُشْتَغِلِينَ بِالْفِقْهِ وَالْأَدَبِ اللَّذَيْنِ هُمَا قَوَاعِدُ الدِّينِ وَأُصُولُ كَلَامِ الْعَرَبِ وَالِاشْتِغَالُ بِالْكَسْبِ يَمْنَعُهُمْ عَنْ التَّحْصِيلِ وَيُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِ الْعِلْمِ وَالتَّعْطِيلِ فَكَانَ الْمُخْتَارُ الْآنَ قَوْلَ السَّلَفِ وَهَفَوَاتُ الْبَعْضِ لَا تَمْنَعُ وُجُوبَ النَّفَقَةِ كَالْأَوْلَادِ وَالْأَقَارِبِ اهـ. البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم الحنفي ج٤ ص٢٢٨
قال في حاشية ابن عابدين:
(وَكَذَا) تَجِبُ (لِوَلَدِهِ الْكَبِيرِ الْعَاجِزِ عَنْ الْكَسْبِ) كَأُنْثَى مُطْلَقًا وَزَمِنٍ وَمَنْ يَلْحَقُهُ الْعَارُ بِالتَّكَسُّبِ وَطَالِبِ عِلْمٍ لَا يَتَفَرَّغُ لِذَلِكَ، كَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْعَيْنِيِّ. وَأَفْتَى أَبُو حَامِدٍ بِعَدَمِهَا لِطَلَبَةِ زَمَانِنَا كَمَا بَسَطَهُ فِي الْقُنْيَةِ، وَلِذَا قَيَّدَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِذِي رُشْدٍ
قال ابن عابدين: وَأَقُولُ الْحَقُّ الَّذِي تَقْبَلُهُ الطِّبَاعُ الْمُسْتَقِيمَةُ وَلَا تَنْفِرُ مِنْهُ الْأَذْوَاقُ السَّلِيمَةُ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهَا لِذِي الرُّشْدِ لَا غَيْرِهِ، وَلَا حَرَجَ فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُصْلِحِ وَالْمُفْسِدِ لِظُهُورِ مَسَالِكِ الِاسْتِقَامَةِ وَتَمْيِيزِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (3/ 614)