السؤال: ما حكم ممارَسة مِهنة المحاماة بوجه عام، وعلى الأخصِّ في ضوء المفترَضات الآتية.
كون القوانين التي يُتقاضَى بها في ظِلّ أحكام مؤصّلة على الشريعة الإسلاميّة.
كون هذه القوانين وضعيّةً وتناقض أحكام الشريعة الإسلاميّة.
ممارَسة المُحاماة: إن المحاماة وِكالة بالخُصومة بالنّظر الفقهي، وهذه الوكالة جائِزة شرعًا في نظر الفُقهاء، بل لها حالات لا يجوز فيها عزلُ وكيل الخصومة إذا تعلّق بالوكالة حقّ لغير الموكِّل (( كما لو أراد المَدين السّفرَ فطلب الدائنُ منعَه ليتمكّن من مخاصَمته قضائيًّا فوكّل عنه بالخُصومة )).
والمُحاماة في الأصل هي مِهنة مَن يتخصّص بهذه الوكالات للخصومة، فالأصل فيها الإباحة الشرعيّة.
أما كون واقعها اليوم أن القوانين التي يترافع فيها المحامي فيها مخالَفات للشريعة (( وليس كل ما فيها مخالِفًا للشريعة )) فهذه القوانين ليست من صنعه، فإثمها على صانِعها، لكنّ عليه ألّا يطلبَ في مرافعته تطبيق الحكم القانوني المخالِف للشّريعة، وألّا يقبل دفاعًا عن موكِّل مُبطِل، وإذا ظهر له أثناء سير الدّعوى أن موكِّله مُبْطِل فعليه أن ينسحِب منه شرعًا، ويَستطيع أن يشترِطَ ذلك على الموكِّل.
إنني مارَست المُحاماة في حلب قُرابة عشر سنوات، ثم تخلَّيت عنها للتدريس؛ لهذا السبب؛ لأن الذي يشترط هذه الشُّروط على مَن يُريد توكيلَه لا يوكِّلُه!!
ولكن الناس اليوم في ظِلّ أصول المحاكمات وتعقيداتها، لا يستغنُون عن توكيل المُحامين الذين أصبحوا في كل البلاد هيئة عالميّة لا يُستغنَى عنها، ولو أوصينا كل مسلم متمسِّك بدينه بترك المُحاماة، لما بَقِيَ في الميدان إلا مَن لا يتورَّعون عن حرام، وفي هذا ضَرر ظاهر.
وينطبق عليها الكلمة المأثورة أنها ضَرر ضروريّ!! في ظِل الوضع الحالي في العالم، ويمكن أن تُبَرَّر بأن القاضيَ يمكن أن يُصدر حكمًا جائِرًا حتّى على الطرف المُبطل، فالمحامي عنه يُريد أن يحولَ ضِدّ ذلك.
فتاوى مصطفى الزرقا