الشبهة وردها بالتفصيل :
تقول الشبهة : لم يحدث شيء في يوم مولده صلى الله عليه وسلم ولم يحدث شيء مما قيل لنا على المنابر .كانت ليلة عادية عندما ولد عليه الصلاة والسلام..لم تنطفئ نار المجوس. لم ينشق إيوان كسرى ولم تسقط أربع عشرة شرفة منه ولم تجف بحيرة ساوة .
رد الشبهة :
ما حصر في ليلة مولده صلى الله عليه وسلم منها الصحيحة ومنها الضعيفة كما ذكر المحدثون
قال الحافظ ابن كثير: ” إنّ ليلة مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت ليلةً شريفةً عظيمةً مباركةً سعيدةً على المؤمنين طاهرةً ظاهرةَ الأنوار جليلةَ المِقدَارِ أبْرَزَ الله فيها الجوهرةَ المصونةَ المكنونةَ …..
فولدته في هذه الليلة الشريفة المنيفة فظهر له من الأنوار الحسِّيَّةِ والمعنوية ما بَهَرَ العقولَ والأبصارَ كما شهدت بذلك الأحاديثُ والأخبارُ عند العلماء الأخيار “. [ كتابه: المولد ( ص 52 )]
- فمما ثبت من الأخبار الصحيحة:
- قوله صلى الله عليه وسلم : ( أنا دعوةُ أبي إبراهيم، وبُشرى أخي عيسى، وَرَأَتْ أُمِّي أَنه خرج مِنْهَا نور أَضَاءَت مِنْهُ قُصُور الشَّام ) [رواه أحمد والحاكم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد و وافقه الذهبي] .
وهذه الرؤيا منامية ، وفي رواية ابن سعد : ( ورأت أمي حين وضعتني خرجَ منها نورٌ أضاءَ له قصورُ الشامِ ) وهذه رؤية بصرية، و قد جمع الحافظ الجلال السيوطى بين الروايتين بأن قولها: « حين الحمل » هى رؤيا نوم وقعت فى الحمل، وأما ليلة الولادة : فرأت ذلك رؤية عين . [الخصائص الكبرى]
- عن حسان بن ثابت رضي الله عنه قال : وَاَللَّهِ إنِّي لَغُلَامٌ يَفَعَةٌ، ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانٍ، أَعْقِلُ كُلَّ مَا سَمِعْتُ، إذْ سَمِعْتُ يَهُودِيًّا يَصْرُخُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ عَلَى أَطَمَةٍ بِيَثْرِبَ : يَا مَعْشَرَ يَهُودِ، حَتَّى إذَا اجْتَمَعُوا إلَيْهِ، قَالُوا لَهُ: وَيلك مَالك؟ قَالَ : طَلَعَ اللَّيْلَةَ نَجْمُ أَحْمَدِ الَّذِي وُلِدَ بِهِ . [رواه البيهقي] وروى أبو نعيم بسند حسن عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: قال زيد بن عمرو بن نفيل، قال لي حَبْرٌ من أحبار الشام: “قد خرج في بلدك نبي، أو هو خارج، قد خرج نجمه، فارجع فصدقه واتبعه”.
- روى الطبراني عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ : أَخْبَرَتْنِي أُمِّي قَالَتْ : « شَهِدْتُ آمِنَةَ لَمَّا وَلَدَتْ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَلَمَّا ضَرَبَهَا الْمَخَاضُ نَظَرَتْ إِلَى النُّجُومِ تَنْزِلُ تَدَلَّى حَتَّى إِنِّي أَقُولُ : لَتَقَعَنَّ عَلَيَّ. فَلَمَّا وَلَدَتْ خَرَجَ لَهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهُ الْبَيْتُ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ وَالدَّارُ، فَمَا شَيْءٌ أَنْظُرُ إِلَيْهِ إِلَّا نُورًا ». [ذكره في فتح الباري لابن حجر]
- عن ابن عباس قال : ” كَانَتِ الشَّيَاطِينُ لَا يحجبون عن السموات وَكَانُوا يَدْخَلُونَهَا، وَيَأْتُونَ بِأَخْبَارِهَا فَيُلْقُونَ عَلَى الْكَهَنَةِ، فَلَمَّا وُلِدَ عِيسَى عليه السلام مُنِعُوا مِنْ ثَلَاثِ سَمَوَاتٍ، فَلَمَّا وُلِدَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منعوا من السموات أَجْمَعَ، فَمَا مِنْهُمْ مَنْ أَحَدٍ يُرِيدُ اسْتِرَاقَ السَّمْعِ إِلَّا رُمِيَ بِشِهَابٍ، فَلَمَّا مُنِعُوا مِنْ تِلْكَ الْمَقَاعِدِ ذَكَرُوا ذَلِكَ لِإِبْلِيسَ، فَقَالَ لَقَدْ حَدَثَ فِي الْأَرْضِ حَدَثٌ، قَالَ: فَبَعَثَهُمْ فَوَجَدُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْلُو الْقُرْآنَ، فَقَالُوا: هَذَا وَاللَّهِ مَا حَدَثَ ” . [ ذكره البغوي في تفسيره (4/ 372) ، << القرطبي في تفسيره >> (10/ 10) وعزاه الحافظ الشامي في سيرته (١/ ٤٢٤) للزبير بن بكّار و ابن عساكر ] .
- قال مجاهد: ” إن إبليسَ لعنهُ اللهُ رَنّ أربعَ رَنّاتٍ رَنّةً حين لُعن ورَنّةً حين أُهْبِطَ ورَنّةً حين وُلِدَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ورَنّةً حين أُنزلتْ فاتحةُ الكتاب ” .
وقد ذكر العلامة أبو القاسم السهيلي عن الحافظ بقي بن مخلد الأندلسي في (تفسيره) ” أن إبليسَ لعنهُ اللهُ رَنّ – أي صوّت بحزن- أربعَ رَنّاتٍ رَنّةً حين لُعن ورَنّةً حين أُهْبِطَ ورَنّةً حين وُلِدَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ورَنّةً حين أُنزلتْ فاتحةُ الكتاب، قال والرَّنينُ والنّخَارُ من عَمَلِ الشيطان، فمن تعمّد إظهار الحزن أو عدم الفرح والسرور أو أظهر عدم المبالاة في يوم مولده عليه الصلاة والسلام فقد أشبه عمُله هذا عملَ إبليس لعنه الله “.
- عَلَامَاتٌ مَشْهُورَةٌ لَكِنَّهَا غَيرُ ثابتةٍ:
وَهَذِهِ العَلَامَاتُ لَمْ تَثْبُتْ بِطَرِيقٍ صَحِيحٍ، لَكِنَّهَا مَشْهُورَةٌ، فَمِنْهَا:
- أَنَّهُ لَمَّا وُلِدَ -صلى اللَّه عليه وسلم- ارْتَجَّ إِيْوَانُ كِسْرَى.
- سَقَطَتْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ شُرْفَةً مِنْ إيوَانِ كِسْرَى. قال الحافظ ابن حجر في «النعمة الكبرى»: قال ابن الجوزي: ” و هذا الشق باق إلى الآن، أخبرنا به جماعة ممن رآه بالمدائن، و أنه سقط من أعلى الإيوان أربع عشرة شرافة ” و قال أيضاً في [المنح] : ” علم بالقطع البرهاني أن ذلك ليس إلا محض آية منه صلى اللّه عليه و سلم للوجود على نبوّته، و أنه لا ملك و لا عزّ لأحد مع ملكه و عزّه، و سر تلك الأربع عشرة : الإشارة إلى أنه لم يبق من ملوكهم إلا أربعة عشر- أي كما أشار إلى ذلك سطيح كما يأتى إن شاء اللّه تعالى قريبا- فهلك عشرة فى أربع سنين، و أربعة إلى زمن عثمان- رضى اللّه عنه- و قد فتح فى زمن عمر رضى اللّه عنه- أكثر إقليم فارس، و كسر كسرى و أهانه غاية الهوان، فتقهقر إلى أقصى مملكته، ثم قتل في زمن عثمان- رضى اللّه عنه- أكثر إقليم فارس، و زال ملكه بالكلية. وصح أنه صلى اللّه عليه وسلم أخبر بأنه: ( إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ) “
- خَمَدَتِ النَّارُ التِي كَانَ يَعْبُدُهَا المَجُوسُ.
- غَاصَتْ بُحَيْرَةُ “سَاوَة”.
- . انْهَدَمَتِ المَعَابِدُ التِي كَانَتْ حَوْلَهَا -أيْ حَوْلَ بُحَيْرَةِ “سَاوَة”
-ومع ضعفها فقد رواها أبو نعيم في دلائل النبوة، و البيهقي في دلائل النبوة ، وابن حجر في المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، والقاضي عياض في الشفا بتعريف حقوق المصطفى، وكذا الماوردي في أعلام النَّبوة وكذا السِّيرة النَّبوية لابن كثير وكذا السِّيرة الحلبيَّة
وقد قرّر وحكم بصحة الروايات لكثرة طرقها العلامة محمد أبو زهرة في كتابه: «خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم» (ج 1، ص 150)
– ولو سلمنا بضعفها فإن في أحاديث السير والمغازي وكذا الرقائق والأخلاق ما يتساهل في روايته مع ضعفه طالما أنه ما ترتب عليه حكم شرعي أو عقائدي. قال الإمام أحمد: ” إذا روينا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحلال والحرام والسنن والأحكام شددنا وإذا روينا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في فضائل الأعمال وما لا يضع حكماً ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد ” .
-وقال الشيخ أبو الحسن الندوي في السيرة النبوية (ص: 159) :
“وفي الحقيقة أنّ ما ذكر من بدء أمارات تنبىء باستئناف العالم لدور جديد، وخضوع مظاهر العظمة والشوكة المصطنعة، لفجر من الهداية والسعادة والحق، قد بدت طلائعه على العالم المتمدّن المعمور، إشارة لطيفة للمتبصرين، وإلا فقد كانت الولادة الكريمة- التي تليها البعثة المحمدية- أعظم وأضخم، وأوسع وأعمق، من أن تدلّ عليه هذه الإمارات الحسية وتنبىء باستئناف العالم والبشرية لدور جديد من البعثة الإنسانية، عقائديا وعمليا، وأخلاقا، وجهودا، وهداية وتوجيها، لا تسعها ولا تؤدّي حقها هذه الأمارات المشاهدة الإقليمية المحدودة: { وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ } [الفتح، الآية: 7] “.