
يوسف بن تاشفين
2024-03-02
محمد بن قاسم الثقفي
2024-03-02ترجمة القائد الإسلامي نور الدين زنكي
اسمه ونسبه:
أبو القاسم محمود بن عماد الدين زنكي بن آق سنقر حلب، الملقب الملك العادل نور الدين[1].
ولادته ونشأته:
ولد رضي الله عنه (17شوال/511هـ) وكان معتدل القامة، أسمر اللون، واسع الجبهة، حسن الصورة…ونشأ على الخير والصلاح، وقراءة القرآن، وكان مواظباً على العبادة، وكان قليل المخالطة للجند، وكان أبوه زنكي يقدمه على أولاده ويرى فيه مخايل النجابة[2].
شهادة المؤرخين والعلماء عنه:
1_ ذكر في تاريخ ابن خلدون:
وكان معتنياً بمصالح المسلمين مواظباً على الصلاة والجهاد، وكان عارفاً بمذهب أبي حنيفة ومتحيزاً للعدل ومجافياً عن أخذ المكوس في جميع أعماله…وكان يكرم العلماء وأهل الدين ويعظمهم ويتمثل لهم قائماً ويؤنسهم في المجالسة ولا يرد لهم قولاً وكان متواضعاً مهيباً وقوراً.
2_ ذكر في مرآة الزمان في تواريخ الأعيان[3]:
وكان في الحرب ثابت القدم، حسن الرمي، يتقدم أصحابه فيها، ويتعرض للشهادة، وسأل الله أن يحشره في بطون السباع، وحواصل الطير…وكان حسَنَ الخط، كثير المطالعة للكتب الدينية، متبعاً للآثار النبوية، مواظباً على الصلوات الخمس في الجماعات، عاكفاً على تلاوة القرآن، حريصاً على فعل الخير، عفيف البطن والفرج، مقتصداً في الإنفاق، متجرياً في المطعم والمشرب والملبس، لم تُسمع منه كلمة فحش قط، لا في رضاه ولا في غضبه، هذا مع ما جمع الله فيه من العقل المتين، والرأي الثاقب الرصين، والاقتداء بسيرة السَّلف الصالح، حتى روى حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأسمعه، فمن رآه شاهد من جلال السلطنة وهيبة المملكة ما يبهره، فإذا فاوضه رأى من لطافته وتواضعه ما يحيّره، يحب الصالحين ويؤاخيهم، ويزورهم في أماكنهم لحسن ظنه فيهم..وكان نور الدين إذا حضر الحرب شدَّ تَرْكَشَين، وحمل قوسين، وباشر الحرب بنفسه، وما كان يتكل الجند على الأُمراء بل يتولاهم بنفسه، ويباشرهم، ويتفقد خيولهم وسلاحهم مخافة أن يقصِّر الأُمراءُ في حقِّهم… وما كان يصل إليه من هدايا الملوك وغيرهم يبعث به إلى القاضي، فيبيعه ويعمر به المساجد المهجورة، ولا يتناول منه شيئاً.
3 _ ذكر في تاريخ المَوْصل:
قد طالعتُ تواريخ الملوك المتقدمين من قبل الإسلام وإلى يومنا هذا، فلم أَرَ فيها بعد الخلفاء الرَّاشدين وعمر بن عبد العزيز ملكًا أحسنَ سيرةً من نور الدِّين ولا أكثر تحرِّياً للعَدْل والإنصاف منه… وكان لا يأكل ولا يَلْبَس ولا يتصرَّف فيما يخصُّه إلا من مِلْكٍ اشتراه من سهمه من غنائم الكُفَّار، وكان يحضر الفقهاء، ويستفتيهم فيما يحلُّ له من تناول الأموال، فأفتوه من جهات عيَّنوها، فلم يتعدَّها إلى غيرها، ولم يَلْبَس حريرًا قطُّ ولا ذهبًا ولا فضَّة، ومنع من بيع الخمرة في بلاده، وكان يحدُّ شاربها، والنَّاس عنده سواء في ذلك، وكان كثيرَ الصِّيام، وله أوراد في اللَّيل والنَّهار، فكان يقدِّم أشغال المسلمين عليها ثم يتمّم أوراده… وكان لا يملك من الدُّنيا شيئًا، وكان عالمًا بفنون العلوم، وجميع الملوك والعلماء والأعيان يزورونه لأجل صلاحه ويتبركون به ، وصنَّف كتاب سيرة النَّبيِّ ﷺ، وكان يعمل مولد النَّبيِّ ﷺ في كلِّ سنة، ويحضر دعوته صاحبُ المَوْصل والأكابر، وكان نور الدين يحبُّه ويكاتبه…وما كان أحدٌ من الأُمراء يتجاسر أن يجلس عنده من هيبته، فإذا دَخَلَ عليه فقيرٌ أو عالم أو ربُّ حِرْفة، قام ومشى إليه وأجلسه إلى جانبه، ويعطيهم الأموال، فإذا قيل له في ذلك يقول: هؤلاء لهم حقٌّ في بيت المال، فإذا قنعوا منا ببعضه، فلهم المِنَّة علينا.
4 _ ذكر في المنتظم في تاريخ الملوك والأمم:
ولي الشام سنين، وجاهد الكفار، وكان أصلح من كثير من الولاة، وكان يتدين بطاعة الخلافة، والطرق آمنة في أيامه، والمحامد كثيرة، وذكر بناء مارستان دمشق وجامع الموصل، وكان يميل إلى التواضع، ويحب العلماء وأهل الدين، وقد كاتبني مرارًا، وذكر أسره لملك الفرنج، وأنه أخذ منه ثلاث مئة ألف دينار، وشرط عليه ألا يُغير على بلاد المسلمين سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام، وأخذ منه رهائن على ذلك.
5 _ ذكر عرقلة في مدرسة نور الدِّين: من الوافر
ومدرسة سيدرسُ كلُّ شيء |
وتبقى في حِمَى عِلْمٍ ونُسْكِ |
6 _ ذكر ابنُ الأثير:
كان مجلسُ نور الدين مثل مجلس رسول الله ﷺ لا يُسمع فيه لأحدٍ كلمة إلا مفيدة، فلما ملك صلاحُ الدِّين دمشق حضر الحافظ ابنُ عساكر مجلسه، فسمع لَغَطًا كثيرًا، وكلُّ واحدٍ يتحدَّث مع الآخر، وليس للمجلس هيبة، فبكى الحافظ وقال: يرحم الله نور الدين، لقد حضرت مجلسه مراراً، فما سمعتُ أحداً ينطق إلا جواباً، فما هذا اللَّغط! وبلغ صلاح الدين فقال: إذا حضر الحافِظُ عندنا فلا يتكلَّمَنَّ أحدٌ بكلمة.
من إنجازاته:
- فتح نيفاً وخمسين حِصْناً، منها: تل باشر، وعَزَاز، ومَرْعَش، وبَهَسْنى، وتل خالد، وحارم، والمَرْزُبان، ورَعْبان، وكيسون، والرُّها، وكسر إبرنس أنْطاكية، وقتله، وقتل معه ثلاثة آلاف، وأخذ من القومص ثلاث مئة ألف دينار وخمس مئة زَرَدية، وخمس مئة حصان، وخمس مئة أسير.[4]
- فتح المَوْصل والجزيرة وديار بكر والشَّام والعواصم ودمشق وبعلبك وبانياس ومِصْر واليمن، وخُطِبَ له في الدُّنيا، وأظهر السُّنَّة بحلب، وأزال الأذان بحيّ على خير العمل، وبنى بها المدارس، وأوقف الأوقاف، وبنى سور دمشق والمدارس وأسقط ما كان يؤخذ من دار البطيخ، وسوق الخيل والغنم، والكيالة، وجميع المكوس، وعاقب على شُرْب الخمر.[5]
- وقف أوقافًا على المرضى والمجانين، وبنى المكاتب لليتامى، وبنى المارَسْتان بدمشق، ووقف على سُكان الحرمين، وأقطع أمراء العرب القطائع لئلا يتعرَّضوا للحاجّ، وأمر بإكمال سور المدينة، وجدَّد كثيراً من قُني السَّبيل، وكذا صَنَعَ في غير دمشق من البلاد التي ملكها، ووقف كُتُباً كثيرة في مدارسه[6].
- وبلغني أنَّ وقوف نور الدِّين في أبواب البر بالشام في وقتنا هذا وهو سنة ثمانٍ وستّ مئة كل شهر تسعة آلاف دينار صورية، ليس فيها ملك فيه كلام، بل حقٌّ ثابت بالشَّرْع باطنًا وظاهراً، صحيح الشراء[7].
وغيرها…
من مآثره:
- مهّد الطريق لصلاح الدين الأيوبي لفتح القدس.
- ازدادت الفتوحات في زمنه، واستقرت البلاد، وكَثُرَ الخير[8].
من مواقفه:
- نزل نور الدين في سنة ثمانٍ وخمسين وخمسمائة في البقيعة تحت حصن الكراد في السنة المذكورة محاصراً لحصن الأكراد، وعازماً على قصد طرابلس وهو في جميع عساكره، فاجتمع من الفرنج خلق كثير وكبسوهم في النهار والمسلمون في غفلة عنهم، فلم يتمكنوا من الاستعداد لهم وهربوا منهم، ونجا نور الدين بنفسه وهي وقعة مشهورة معروفة، ونزل على بحيرة قدس بالقرب من حمص، وبينه وبين الفرنج مقدار أربعة فراسخ، فسار إلى حلب وبقية البلاد وأحضروا الأموال الكثيرة وأنفقها ليقوى جيشه ثم يعود إليهم فيستوفي الثأر، فقال له بعض أصحابه: إن في بلادك إدرارات وصدقات وصلات كثيرة على الفقهاء والصوفية والقراء، ولو استعنت بها في هذا الوقت لكان أصلح، فغضب من ذلك غضباً شديداً وقال: إني لا أرجو النصر إلا بأولئك، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم، كيف أقطع صلات قوم يقاتلون عني وأنا نائم على فراشي بسهام لا تخطئ، وأصرفها إلى من لا يقاتل عني إلا بسهام قد تصيب وتخطئ وهؤلاء القوم لهم نصيب في بيت المال فكيف يحل ان أعطيه غيرهم[9].
- كان يقول لأصحابه: حرام على كلِّ من صحبني ولا يرفع إليّ قصة مظلوم لا يستطيع الوصول إليَّ[10].
وفاته:
توفي رضي الله عنه (17شوال/500هـ) ودفن بالقَلْعة، ثم نُقِل إلى مدرسته التي أنشأَها مجاورة للخوَّاصين[11].
خرج نورُ الدِّين يوم الأحد إلى المُصَلَّى بالأمراء والأجناد، والقَدَرُ يقول: هذا آخر الأعياد[12].
[1] وفيات الأعيان.
[2] انظر مرآة الزمان في تواريخ الأعيان.
[3] ما بين حاصرتين من(م)و(ش).
[4] انظر مرآة الزمان في تواريخ الأعيان.
[5] انظر مرآة الزمان في تواريخ الأعيان.
[6] انظر مرآة الزمان في تواريخ الأعيان.
[7] الكامل في التاريخ.
[8] انظر تاريخ ابن خلدون.
[9] الكامل في التاريخ.
[10] مرآة الزمان في تواريخ الأعيان.
[11] انظر تاريخ ابن خلدون ووفيات الأعيان.
[12] مرآة الزمان في تواريخ الأعيان.