بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
السُّؤالُ:
إنَّ اللهَ تَعالَى يقولُ: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّون} [السجدة: 5]
ويقولُ في آيةٍ أُخرَى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: 4]
فالآيةُ الأُولَى الّتي فِي السَّجدةِ { أَلْفَ سَنَةٍ } تناقِضُ الآيةَ الثَّانيةَ الّتي في المَعارِجِ {خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } ؟!
الجوابُ:
في كِلَا الآيتَينِ وصفٌ لِيومِ القِيامَةِ بالطُّولِ، وأنَّه فِي طُولِهِ يعدِلُ ألفَ سنةٍ ممّا يعدُّ النَّاسُ، ولا يُرادُ مِنها إلّا إفادةُ التَّكثيرِ، كمَا تقولُ لِصَاحِبِكَ: كتبْتُ لكَ خمَسينَ خِطَاباً، وتردَّدْتُ على بيتِكَ عشرينَ مرَّةً، واللُّغويُّونَ يَقولونَ دائِماً: ” العددُ لا مفهومٌ لَهُ ” فإذا وُصِفَ هَذا اليومُ بأنَّ مِقدارَهُ خَمسينَ ألفَ سنةٍ فلا تناقُضَ؛ لأنَّ كُلَّاً منهُمَا يدلُّ على الطُّولِ.
وقيلَ وهذا اليومُ يختلِفُ معَ النَّاسِ باختلافِ مواقِفِهم وما يُعانيهِ كلٌّ منهُم، فقد يَطولُ هذا اليومُ على الكَافرِ لِشِدَّةِ مشقَّتِهِ فيراهُ طَويلاً جدّاً، ويقصرُ على المؤمنِ لعَدَمِ المشقَّةِ والشدَّةِ فيراهُ قَصيراً.
ولو دقَّقنا النَّظرَ في سِياقِ كلٍّ مِنَ الآيَتينِ لوَجدْنَا أنَّهما ليسَتَا على مَوردٍ واحدٍ، بل كلٌّ منهمَا في موردٍ غيرِ الأُخرى.
فالآيةُ الأولى: تتحدَّثُ عن نزولِ الملائكةِ وعروجِهَا في يومٍ واحدٍ (يعدِلُ ألفَ سنةٍ) ممّا يعدُّهُ النَّاسُ على الحقيقةِ .
والآيةُ الثَّانيةٌ: تتحدَّثُ عن نزولِ الملائكةِ وعروجِهَا يومَ القِيامَةِ ومدَّتُهُ خمَسينَ ألفَ سنةٍ كما هُوَ ظاهرٌ مِن سِياقِ الآياتِ: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10) } [ المعارج ]
وقد ذكرَ ابنُ كثيرٍ أربعةَ أقوالٍ في المرادِ مِنَ اليومِ، ومالَ إلى أن َّالمرادَ به يومُ القيامةِ.
ويُؤيِّدُهُ حديثُ أبي هُريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ )[1]
وحديثُ أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَوْمًا كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، مَا أَطْوَلَ هَذَا الْيَوْمَ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهُ لَيُخَفَّفُ عَلَى الْمُؤْمِنِ، حَتَّى يَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ يُصَلِّيهَا فِي الدُّنْيَا )[2]
[1] صحيح مسلم (2/ 680)
[2] مسند الإمام أحمد (18/ 246)