نصوص الفقهاء:
حكمُ الردِّ على السلامِ مِن كتابةٍ أو مُراسلةٍ
الحنفية:
قال ابن عابدين:
“وَيَجِبُ رَدُّ جَوَابِ كِتَابِ التَّحِيَّةِ”
لِأَنَّ الْكِتَابَ مِنْ الْغَائِبِ بِمَنْزِلَةِ الْخِطَابِ مِنْ الْحَاضِرِ مُجْتَبًى وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ .
أَقُولُ: الْمُتَبَادَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُرَادَ رَدُّ سَلَامِ الْكِتَابِ لَا رَدُّ الْكِتَابُ. لَكِنْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلسُّيُوطِيِّ رَدُّ جَوَابِ الْكِتَابِ حَقٌّ كَرَدِّ السَّلَامِ
قَالَ شَارِحُهُ الْمُنَاوِيُّ: “أَيْ إذَا كَتَبَ لَك رَجُلٌ بِالسَّلَامِ فِي كِتَابٍ وَوَصَلَ إلَيْك وَجَبَ عَلَيْك الرَّدُّ بِاللَّفْظِ أَوْ بِالْمُرَاسَلَةِ وَبِهِ صَرَّحَ جَمْعُ شَافِعِيَّةٍ”
وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: “وَلَوْ أَتَاهُ شَخْصٌ بِسَلَامٍ مِنْ شَخْصٍ أَيْ فِي وَرَقَةٍ وَجَبَ الرَّدُّ فَوْرًا؛ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الْمُبَلِّغِ كَمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ
وَيَتَأَكَّدُ رَدُّ الْكِتَابِ فَإِنْ تَرَكَهُ رُبَّمَا أَوْرَثَ الضَّغَائِنَ وَلِهَذَا أَنْشَدَ:
إذَا كَتَبَ الْخَلِيلُ إلَى الْخَلِيلِ … فَحَقٌّ وَاجِبٌ رَدُّ الْجَوَابِ
إذَا الْإِخْوَانُ فَاتَهُمْ التَّلَاقِي … فَمَا صِلَةٌ بِأَحْسَنَ مِنْ كِتَابِ
[الدر المختار وحاشية ابن عابدين رد المحتار (6/ 415)]”
المالكية:
قال القرطبي: “الرَّابِعَةُ- وَإِذَا وَرَدَ عَلَى إِنْسَانٍ كِتَابٌ بِالتَّحِيَّةِ أَوْ نَحْوِهَا يَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّ الْجَوَابَ، لِأَنَّ الْكِتَابَ مِنَ الْغَائِبِ كَالسَّلَامِ مِنَ الْحَاضِرِ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ “أَنَّهُ كَانَ يَرَى رَدَّ الْكِتَابِ وَاجِبًا كَمَا يَرَى رَدَّ السَّلَامِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.”
الْخَامِسَةُ- اتَّفَقُوا عَلَى كَتْبِ” بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ” فِي أَوَّلِ الْكُتُبِ وَالرَّسَائِلِ، وَعَلَى خَتْمِهَا، لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنَ الرِّيبَةِ”. [القرطبي تفسير ج١٣ ص١٩٣]
شرح الزرقاني مختصر خليل:
ويشترط كما قال القرطبي ” إسماع المسلم المطلوب بالسلام أي: حيث كان حاضرًا ولم يكن به صمم كما هو الظاهر وإلا وجب بغير إسماعه كرد سلام مكتوب شخص فيه سلامه”
الشافعية:
قال الحافظ ابن حجر “(وَسُئِلَ) هَلْ يَلْزَمُ رَدُّ جَوَابِ الْكِتَابِ وَلَوْ بَلَغَ السَّلَامُ فِي كِتَابٍ هَلْ يَلْزَمُ التَّلَفُّظُ بِرَدِّهِ عَلَى الْكَاتِبِ وَالرَّسُولِ وَمَا فَائِدَةُ التَّلَفُّظِ مَعَ غَيْبَةِ الْكَاتِبِ وَالرَّسُولِ اُبْسُطُوا الْجَوَابَ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ يُسَنُّ السَّلَامُ عَلَى الْغَائِبِ إمَّا بِرَسُولِهِ وَإِمَّا بِكِتَابِهِ وَيَلْزَمُ الرَّسُولُ إذَا رَضِيَ بِتَحَمُّلِهِ بِالْإِبْلَاغِ وَأَمَّا الْمُرْسَلُ إلَيْهِ فَلَزِمَهُ الرَّدُّ فَوْرًا ثُمَّ إنْ كَانَ السَّلَامُ عَلَيْهِ بِالْإِرْسَالِ لَزِمَهُ الرَّدُّ بِاللَّفْظِ وَإِنْ كَانَ بِالْكِتَابَةِ لَزِمَهُ الرَّدُّ بِهَا، أَوْ بِاللَّفْظِ وَيُنْدَبُ الرَّدُّ عَلَى الرَّسُولِ أَيْضًا وَتَقْدِيمُهُ فَيَقُولُ وَعَلَيْك وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَأَنَّ سَبَبَ عَدَمِ جَعْلِهِمْ قَوْلَهُ وَعَلَيْك السَّلَامُ قَاطِعًا لِفَوْرِيَّةِ الرَّدِّ لِأَنَّهُ غَيْرُ أَجْنَبِيٍّ فَكَمَا اغْتَفَرُوهُ فِي عَدَمِ قَطْعِهِ لِفَوْرِيَّةِ الْقَبُولِ فِي نَحْوِ الْبَيْعِ فَكَذَلِكَ يُغْتَفَرُ الْفَصْلُ بِهِ هُنَا بَلْ نُدِبَ تَقْدِيمُهُ لِأَنَّ الْحَاضِرَ أَوْلَى بِالرِّعَايَةِ مِنْ الْغَائِبِ وَفَائِدَةُ وُجُوبِ الرَّدِّ بِاللَّفْظِ مَعَ غِيبَةِ الْمُسْلِمِ أَنَّ فِي وُجُوبِ الرَّدِّ حَقَّيْنِ حَقًّا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَحَقًّا لِلْآدَمِيِّ، فَلَوْ فُرِضَ سُقُوطُ حَقِّ الْآدَمِيِّ لِغَيْبَتِهِ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إذْ لَا مُقْتَضَى لِإِسْقَاطِهِ وَأَيْضًا إذَا وَقَعَ الرَّدُّ فِي حَضْرَةِ الرَّسُولِ بِاللَّفْظِ بَلَّغَهُ لِمُرْسِلِهِ فَهَذِهِ فَائِدَةٌ ظَاهِرَةٌ وَأَمَّا وُجُوبُ الرَّدِّ بِالْكِتَابَةِ فَحِكْمَتُهُ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّ الْكِتَابَ إذَا وَصَلَ لِلْمُسْلِمِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الرَّدِّ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.”
[الفتاوى الفقهية لابن حجر ج٤ ص٢٤٧]
قال البهوتي:
“أَوْ سَلَّمَ (الْغَائِبُ عَنْ الْبَلَدِ بِرِسَالَةٍ، أَوْ كِتَابَةٍ وَجَبَتْ الْإِجَابَةُ عِنْد الْبَلَاغِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى الرَّسُولِ، فَيَقُولُ: وَعَلَيْك وَعَلَيْهِ السَّلَامُ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ ﷺ (قَالَ لَهُ رَجُلٌ أَبِي يُقْرِئُكَ السَّلَامَ فَقَالَ: عَلَيْكَ وَعَلَى أَبِيكَ السَّلَامُ)
وَقِيلَ لِأَحْمَدَ: “إنَّ فُلَانًا يُقْرِئُكَ السَّلَامَ فَقَالَ: عَلَيْكَ وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَعَلَيْكَ وَعَلَيْهِ السَّلَامُ.”
(وَإِنْ بَعَثَ) إنْسَانٌ (مَعَهُ السَّلَامُ) لِيُبَلِّغهُ لِمَنْ عَيَّنَهُ لَهُ (وَجَبَ) عَلَى الرَّسُولِ (تَبْلِيغُهُ إنْ تَحَمَّلَهُ) لِعُمُومِ الْأَمْرِ بِأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَإِلَّا فَلَا.”
[كشاف القناع]