وصولُ ثوابِ قراءة ِالفاتحةِ وبعضُ سورِ القرآنِ للموتى
(السؤالُ): هل ْورد َفي الشريعةِ ما يفيدُ وصولَ ثوابِ قراءة ِالفاتحةِ للميتِ أو للحيِّ؟
(الجوابُ): اعلمْ أنَّ مذهب َالحنفيةِ وصولُ ثوابِ قراءةِ القرآنِ إلى الميتِ بلْ وإلى الحيِّ، كما نصَّ عليهِ في الهدايةِ والبدائعِ والبَحْرِ وغيرِها، وقد أطالَ صاحبُ الفتحِ في بيانِه.
وكذلكَ مذهبُ الشافعيةِ كما في المنهاجِ، ففيهِ أنَّ المختارَ وصولُ ثوابِ القراءةِ إلى الميتِ إذا سألَ القارئُ ذلكَ منَ اللهِ تعالى وينبغي الجزمَ بهِ ؛ لأنّه دعاءٌ فإذا جازَ الدعاءُ للميتِ بما ليسَ للدّاعي فيجوزُ بالأولى بما هو لهُ، ويبقَى الأمرُ موقوفًا على استجابةِ الدعاء ِاهـ.
ونَقَلَ ابنُ أبي زيدٍ في الرسالةِ عن ابنِ فرحون من أئمةِ المالكيةِ، أنَّ الراجحَ ما عليهِ المتأخّرون منْ وصولِ ثوابِ القراءةِ إلى الميّتِ.
وقالَ ابنُ رشدٍ : ” إنَّ مَحَلَّ الخلافِ بينَ المتقدّمينَ والمتأخرينَ منَ المالكيةِ ما لمْ تَخرُجْ القراءةُ مَخْرَجَ الدعاءِ بأنْ يَقُولَ القارئُ قَبْلَ قراءِته: اللهمَّ اجعلْ ثوابَ ما أَقْرَؤه لفلانٍ. فإذا خرجَتْ مخرجَ الدعاءِ كانَ الثوابُ لفلانٍ قولًا واحدًا وجازَ منْ غيرِ خلافٍ “اهـ.
وذكرَ ابنُ قُدَامَةَ في المغني وهو منْ فقهاءِ الحنابلةِ، أنَّ الميتَ ينتفعُ بسائرِ القُرُباتِ، ومنها قراءَةُ القرآنِ، وأنَّ أَيَّةَ قُرْبَةٍ فَعَلَها الإنسانُ وجَعَلَ ثَوابَها للميّتِ المسلمِ نَفَعَهُ ذلكَ بإذنِ اللهِ تعالى.
وقالَ ابنُ تيميةَ: ” إنَّ الميتَ يَنتْفِعُ بجميعِ العباداتِ البدنيةِ من صلاة،ٍ وصومٍ، وقراءةِ قرآنٍ كما يَنتْفعُ بالعباداتِ الماليةِ وغيرِها منْ صدقةٍ ودعاءٍ واستغفارٍ ” اهـ.
وقالَ تلميذُهُ ابنُ القيّمِ : ” أفضلُ ما يُهدَى إلى الميّتِ الصدقةُ والاستغفارُ والدعاءُ لهُ والحجُّ عنهُ، وأمّا قراءَةُ القرآنِ وإهداءُ الثوابِ إليه تطوّعًا بغيرِ أجرٍ، فهذا يصِلُ إليه كما يصِلُ ثوابُ الصومِ والحجِّ “اهـ.
وقدْ روى ابنُ قدامةَ عنْ مَعقِلِ بنِ يَسارٍ قالَ : قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلم : ( اقرؤوا يس على موتاكم ) رواهُ أبو داودَ . وقالَ الشوكاني في نَيْلِ الأوطارِ : رواهُ أحمدُ ، وأبو داودَ ، وابنُ ماجه ، والنَّسائيّ ، وابنُ حبانٍ وصَحّحَهُ وأَعَلَّه القطّان . وضعّفَ إسنادَه الدارُقطني وحَمَلَه ابنُ حبانٍ على منْ حَضَرَتْهُ وفاةُ مَجازًا لا على الميتِ حقيقةً وردَّه المحبُّ الطبريِّ . والحقُ وصولُ ثوابِ ذلكَ كلُهِ للميتِ .
وغايةُ ما قيلَ في هذا الحديثِ أنّهُ ضعيفُ الإسنادِ، وهو مما يُعمَلُ به في مثلِ هذا المقامِ.
وقد بَيَّنِّا هذا البحثَ بيانًا شافيًا في فَتْوَانا الصادرةِ في 14 أغسطس سنة : 1947 م ، والمُسَجَّلةِ بدارِ الإفتاءِ تحت رقم : 377 ، والمطبوعةِ في 13من شوال سنة 1366هـ 29من أغسطس سنة 1947م معَ تعليقاتٍ هامةٍ وأسانيدٍ شرعيّةٍ وقلنا فيها : ولا بُعْدَ في إهداءِ الثوابِ للميّتِ بلْ للحيّ أنْ يسألَ القارئُ ربَّه تعالى أنْ يجعلَ ثوابَ ما فَعلَه مِنَ الطاعاتِ لذلكَ الغيرِ؛ لأنَّ الذي يَملِكُ ثوابَ المؤمنِ وجزاءَه هو اللهُ تعالى وحدَهُ والذي رتّبَ الجزاءَ على الفعلِ هو اللهُ وحدَهُ، والذي قدَّرَهُ ويُضاعِفُه إنْ شاءَ هو اللهُ وحدَهُ، فَلَهُ أنْ يمنَحَ الثوابَ للفاعلِ، وله أنْ يَمنحَهُ لِمَنْ جعلَهُ الفاعلُ لهُ، فضلًا منهُ ورحمةً ولا معقّبَ لحُكمِه. والمجعولُ لهُ قدْ أَهَّلَ نفسَه لهذهِ المِنحةِ بإيمانِه وتصديقِهِ وإقرارِهِ بالعبوديّةِ للهِ، فكانَ في المعنى ساعيًا في هذا الفضلِ الذي جعلَ ثوابَه إليه واللهُ أعلمَ .
وإذا شئْتَ المزيدَ فارجعْ إلى هذهِ الفتوى، وقد طُبِعَت طبعةٌ أُخْرَى بزياداتٍ هامَّةٍ واللهُ الموفِّق.
فتاوى حسنين مخلوف (ص: 54)