ذهب جمهور الفقهاء ( الحنفية و المالكية و الشافعية في الأصح ) إلى أن الأعلم بأحكام الفقه أولى بالإمامة من الأقرأ، خلافاً للحنابلة إذ الأقرأ أولى إلا أن يكون الأقرأ جاهلاً بفقه الصلاة فيقدم الأعلم على الراجح في المذهب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذهب جمهور الفقهاء ( الحنفية و المالكية و الشافعية ) إلى أن الأعلم بأحكام الفقه أولى بالإمامة من الأقرأ، خلافاً للحنابلة إذ الأقرأ أولى إلا أن يكون الأقرأ جاهلاً بفقه الصلاة فيقدم الأعلم على الراجح في المذهب
واستدل الجمهور:
1 ــ بحديث: (مروا أبا بكر فليصل بالناس ) وكان ثمة من هو أقرأ منه، لا أعلم منه، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( أقرؤكم أبي )
2 ــ ولأن الحاجة إلى الفقه أهم منها إلى القراءة، لأن القراءة إنما يحتاج إليها لإقامة ركن واحد، والفقه يحتاج إليه لجميع الأركان والواجبات والسنن.
3 ــ و أما قول النبي عليه الصلاة و السلام: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب اللّه ) رواه مسلم .
فأجاب الفقهاء :
إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتقديم القارئ، لأن أصحابه كان أقرؤهم أعلمهم، فإنهم كانوا إذا تعلموا القرآن تعلموا معه أحكامه.
قال عبد الله بن عمر رضى الله عنهما: ( لقد عشنا دهراً طويلاً وأحدنا يُؤتى الإيمان قبل القرآن، فتنزل السورة على محمد صلّى الله عليه وسلّم فيتعلم حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها، وما ينبغى أن يقف عنده منها، ثم يأتي رجال يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته، لا يدري ما آمره ولا زاجره، وما ينبغى أن يقف عنده منه، ينثره نثر الدقل) رواه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط الشيخين.
قال السرخسي: والأصح أن الأعلم بالسنة إذا كان يعلم من القرآن مقدار ما تجوز به الصلاة فهو أولى؛ لأن القراءة يحتاج إليها في ركن واحد والعلم يحتاج إليه في جميع الصلاة والخطأ المفسد للصلاة في القراءة لا يعرف إلا بالعلم، وإنما قدم الأقرأ في الحديث؛ لأنهم كانوا في ذلك الوقت يتعلمون القرآن بأحكامه على ما روي أن عمر – رضي الله تعالى عنه – حفظ سورة البقرة في ثنتي عشرة سنة، فالأقرأ منهم يكون أعلم، فأما في زماننا فقد يكون الرجل ماهرا في القرآن ولا حظ له في العلم فالأعلم بالسنة أولى. المبسوط للسرخسي (1/ 41)
قال ابن نجيم: في الهداية بأن أقرأهم كان أعلمهم؛ لأنهم كانوا يتلقونه بأحكامه فقدم في الحديث ولا كذلك في زماننا فقدمنا الأعلم ولأن القراءة يفتقر إليها لركن واحد والعلم لسائر الأركان، وفي فتح القدير وأحسن ما يستدل به للمذهب حديث «مروا أبا بكر فليصل بالناس» وكان ثمة من هو أقرأ منه بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: «أقرؤكم أبيّ» وكان أبو بكر أعلمهم بدليل قول أبي سعيد كان أبو بكر أعلمنا وهذا آخر الأمر من رسول الله ﷺ وفي الخلاصة الأكثر على تقديم الأعلم فإن كان متبحرا في علم الصلاة لكن لم يكن له حظ في غيره من العلوم فهو أولى اهـ.ا هـ. البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (1/ 368)
قال المرغيناني: «وأولى الناس بالإمامة أعلمهم بالسُّنَّة، وعن أبي يوسف: أقرؤهم؛ لأن القراءة لا بد منها، والحاجة إلى العلم إذا نئبت نائبة. ونحن نقول: القراءة مفتقر إليها لركن واحد، والعلم لسائر الأركان، فإن تساووا فأقرؤهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:»يؤم القومَ أقرؤهم لكتاب اللَّه، فإن كانوا سواء فأعلمهم بالسُّنَّة«، وأقرؤهم كان أعلمهم؛ لأنهم كانوا يتلقونه بأحكامه، فقدم في الحديث، ولا كذلك في زماننا، فقَدَّمنا الأعلم».«الهداية في شرح بداية المبتدي»، للمرغيناني (١/ ٥٦، ٥٧)،
قال الدسوقي: إن لم يكن رب منزل ندب تقديم (زائد فقه) أي علم بأحكام الصلاة على من دونه فيه ولو زاد عليه في غيره (ثم) زائد (حديث) أي واسع رواية وحفظ وهو أفضل من زائد فقه ولكن قدم عليه لزيادة علمه بأحكام الصلاة.
(ثم) زائد (قراءة) أي أدرى بالقراءة وأمكن من غيره في مخارج الحروف أو أكثر قرآنا أو أشد إتقانا (ثم) زائد (عبادة) من صوم وصلاة وغيرهما…. الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي ١/٣٤٣
قال ابن يونس: قال مالك: أحق القوم بإمامتهم أعلمهم إذا كان أحسن حالًا، وأفضلهم في أنفسهم، وللسن حق.
وقال ابن حبيب: ومعنى ما روي: «يؤم القوم أقرؤهم» أن من سلف كان يجمعهم صلاح الحال والمعرفة، وكان حفظ القرآن مزيد خير.
قال غيره: وكانوا يعلمونه بفقهه، وكان أقرؤهم أفقههم. الجامع لمسائل المدونة ٢/٥٤٣ — ابن يونس الصقلي
«جواهر الإكليل شرح مختصر خليل»، للأبي (١/ ٨٣)، وفيه قال: «و(استخلفت) ندبًا صالحًا للإمامة، والأولى استخلافها الأفضل، (ثم) إن لم يكن رب منزل قُدِّم (زائد فقه)، أي: علم بأحكام الصلاة على مَن هو دونه فيه، (ثم) إن لم يكن زائد فقه قُدِّم زائد (حديث) بكثرة رواية أو حفظ، وهو أفضل مِن زائد الفقه، وإنما قدم زائد الفقه عليه؛ لأن زائد الفقه أدرى بأحكام وأحوال الصلاة، (ثم) ندب تقديم زائد (قراءة) بكثرة حفظ أو تَمَكُّن من إخراج الحروف من مخارجها».
قال الماوردي: فالفقيه إذا كان يحسن الفاتحة أولى بالإمامة من القارئ؛ لأن ما يجب من القراءة محصور وما يحتاج إليه من الفقه غير محصور؛ لكثرة أحكامها، ووقوع حوادثها
وإن قيل هذا يخالف قوله ﷺ -: «يؤمكم أقرؤكم» قلنا هذا غير مخالف له؛ لأن ذلك خطاب للصحابة وهو خارج على حسب حالهم، وكان أقرؤهم في ذلك الزمان أفقههم، بخلاف هذا الزمان؛ لأنهم كانوا يتفقهون ثم يقرؤون ومن في زماننا يقرؤون ثم يتفقهون. الحاوي الكبير (2/ 352)
قال ابن حجر: والأصح أن الأفقه) في الصلاة وما يتعلق بها، وإن لم يحفظ غير الفاتحة (أولى من الأقرأ) غير الأفقه، وإن حفظ كل القرآن؛ لأن الحاجة للفقه أهم لعدم انحصار حوادث الصلاة ولأنه – صلى الله عليه وسلم – «قدم أبا بكر على من هم أقرأ منه» لخبر البخاري «لم يجمع القرآن في حياته – صلى الله عليه وسلم – إلا أربعة أنصار خزرجيون زيد بن ثابت وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وأبو زيد – رضي الله عنهم -» وخبر: أحقهم بالإمامة أقرؤهم محمول على عرفهم الغالب أن الأقرأ أفقه لأنهم كانوا يضمون للحفظ معرفة فقه الآية وعلومها. تحفة المحتاج في شرح المنهاج (2/ 295)
قال المرداوي: السنة أن يؤم القوم أقرؤهم -أي لكتاب الله- ثم أفقههم. هذا المذهب بلا ريب. نص عليه، وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم، وهو من المفردات.
وعنه، يقدم الأفقه على الأقرأ، إن قرأ ما يجزئ في الصلاة. اختاره ابن عقيل. وحكى ابن الزاغوني عن بعض الأصحاب، أنه رأى تقديم الفقيه على القارئ.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف وغيره، لو كان القارئ جاهلا بما يحتاج إليه في الصلاة، ولكن يأتي بها في العادة صحيحة، أنه يقدم على الفقيه. قال الزركشي: هو ظاهر كلام الإمام أحمد، والخرقي، والأكثرين، وهو أحد الوجهين.
والوجه الثاني، أن الأفقه الحافظ من القرآن ما يجزئه في الصلاة يقدم على ذلك. وهو المذهب. نص عليه. وهو ظاهر كلامه في «الوجيز». وجزم به في «المحرر». واختاره ابن عقيل. وحسنه المجد في «شرحه».
قال في «مجمع البحرين»: وهو أولى. وقدمه في «الفروع»، و«الفائق». وأطلقهما ابن تميم. الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف ٤/٣٤٦
«شرح منتهى الإرادات»، للبهوتي (١/ ٢٦٩، ٢٧٠)، وفيه قال: «(الأولى بالإمامة: الأجود قراءة الأفقه)؛ لجمعه بين المرتبتين في القراءة والفقه، (ثم) يليه (الأجود قراءة الفقيه)؛ لحديث:»يؤم القوم أقرؤهم لكتاب اللَّه تعالى«، (ثم) يليه (الأقرأ) جودة -وإن لم يكن فقيهًا- إن كان يعرف فقه صلاته، حافظًا للفاتحة؛ للحديث المذكور».
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: حكم تقديم الأحفظ للقرآن لإمامة الصلاة:
فذهب جمهور الفقهاء وهم الحنفية والمالكية والشافعية في الأصح عندهم إلى أن الأفقه: أي الأعلم بالأحكام الشرعية أولى بالإمامة في الصلاة من الأقرأ وإن كان حافظا لجميع القرآن،
وذلك إذا كان الأفقه يحفظ ما تجوز به الصلاة من القرآن، لأن الحاجة إلى الفقه أهم لكون الواجب من القرآن في الصلاة محصورا والحوادث فيها لا تنحصر فيفتقر إلى العلم ليتمكن به من تدارك ما عسى أن يعرض فيها من العوارض المختلفة.
ولأن «النبي ﷺ قدم أبا بكر في إمامة الصلاة على غيره من الصحابة »، ومنهم من كان أحفظ منه للقرآن الكريم لكونه أفقههم جميعا .
وذهب الحنابلة والشافعية في مقابل الأصح عندهم إلى أن الأقرأ والأحفظ أولى بالإمامة في الصلاة من الأفقه
لقوله ﷺ: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما.
وقوله ﷺ: إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم .
وقوله ﷺ: ليؤمكم أكثركم قرآنا. الموسوعة الفقهية الكويتية ١٧/٣٢٤