قصةُ الفتى أَياز معَ الملكِ وغرفتِه الصَّغيرةِ
يُحكى أنَّ غلاماً اسمُه أيَاز حَظِيَ هذا الفتى بمحبّةِ السُّلطانِ، فقرّبَه منهُ وجَعلَهَ رفيقَهُ، لا يفارِقُه ولا يَردُّ لهُ طلباً، بعدَ أنْ أتى بهِ مِنَ الباديةِ….
وكان للفتى أَياز حُجرةٌ صغيرةٌ نائيةٌ بعيدةٌ عن النَّاسِ، في أحدِ جوانبِ القصرِ يأوي إليها كلَّ مساءٍ.
وجدَ الوزراءُ والمستشارون في هذهِ الخَلْوةِ اليوميَّةِ أمراً مُريباً..
وإنْ كانَ السببُ الحقيقيُّ وراءَ هذا الارتيابِ أو التحجُّجِ به حَظوتَه لدى السُّلطانِ ومحبتَهُ لهُ..
وبدأَتِ الهمساتُ.. إنَّه يغشى هذهِ الحُجرةَ المنْعزلَةَ كلَّ مساءٍ.. ويقضي فيها وقتاً طويلاً.. لماذا؟
لا شكَّ أنَّه قدْ حمَلَ إلى هذهِ الغرفةِ ما في خزانةِ القصرِ من أموالٍ ونفائسٍ، وجعلَ منها مستودعاً لكنوزِهِ.
وصلَ الخبُر للسُّلطانِ وحديثُ الحسَّادِ والمبْغضينَ عنهُ، يتَّهمون أَيازَ بِسَرقَةِ الكنوزِ وتخبئتَها في تِلكَ الغُرفةِ المقفَلةِ على الدَّوامِ…
لمْ يصدِّقِ السُّلطانُ ما يُشاعُ، ولكنَّهُ أمرَ إلى رِجالِهِ أنْ يكسروا قفلَ الغُرفةِ ويَنقّبوها ويأتوهُ بما فيها .
دخلَ الجنودُ الغرفةَ فلمْ يجدوا شيئاً سِوى فِراشٍ بالٍ وحِذاءٍ جلديٍّ ومِعطَفٍ وبِضعةِ ثيابٍ مهلهلةٍ لا غير، حفَروا الغرفةَ ونقَّبوا داخِلَها ولمْ يتركوا مكاناً مِنْ غيِر حَفرٍ ولا تنقيبٍ ومعهُم الوزراءُ الحاسِدين ….
فرجَعوا خائبين، فسألَهم السُّلطانُ: هل وجدْتُم النَّفائسَ والكنوزَ؟
وقفُوا مُنكِّسي الرؤوسِ ينتظِرون أنْ يُبَتَّ في أمرِهم.
أمرَ السُّلطانُ الفتى أياز أنْ يُصدِرَ حكمَهُ علِيهم…
ولكنْ أرادَ أنْ يَستفهمَ عنْ قِصَّةِ هذهِ الغُرفةِ وسبَبُ دُخولِهِ فيها وقِصَّةُ تلكَ الأغراضِ الباليةِ كما لو كانَت ذاتَ قيمةٍ عاليةٍ، فقالَ الفتى أَياز:
يا مولاي أنا في كلِّ يومٍ أَدْخُلُ في تلَكَ الغُرفةٍ فأُخلوَ بها وأناجي نفسي ناظراً إلى لباسي القديمِ البالي وأقولُ:
أنتَ تعرِفُ حقيقَتَكَ يا أَياز فلا تغتَّر بنعمةِ الحاضرِ، ولا تنسَ حياتَكَ السابقةَ..
لقدْ كنْتَ تَعيشُ مع والدتِك في الصَّحراءِ، حينَ ضلَّ السُّلطانُ طريقَه، وآوى إلى خيمتِكِ، ثمَّ طابَ لُهُ أن ينتقلَ بكَ من العيشِ المريرِ إلى الحياةِ الهنيئةِ، ومن الخيمةِ المنعزلةِ إلى القصرِ الفسيحِ، ومن الكساءِ الخَشنِ البالي إلى كساءٍ من الحريرِ الناعمِ، فحاذرْ أنْ ينسيَكَ اليومُ ذكرى الأمسِ، فتُفسِدُ عليكَ الغدَ وما بعدَ الغدِ.
يا مولاي كنتُ أَفعَلُ هذا كي لا أنسى بِداياتي، وحتَّى لا أتجرأَ على خيانتِكَ أو الاعتداءِ على جَنابِكَ، أمَّا هؤلاءِ الحاسِدون فإنَّ العفوَ هو خيُر عقابٍ لهُم. اهـ
من كتاب الشيخ «جلال الدين الرومي» المسمى: «المثنوي» قصيدة طويلة عن الحاسدين، بطلها غلام اسمه أياز صاحب القصة