
قصص من الماضي: (غلام اسمه إياز)
2021-10-18
قصص من الماضي: (الدجاجة التي طارت بعد ما ذبحت)
2021-10-18- قصة الحداد والمرأة الجميلة الفقيرة :
<< إن تركتني لله عز وجل ضمنت لك أن لا يعذبك بناره لا في الدنيا ولا في الآخرة >>
قالَ بعضُ الصّالحينَ:
دَخلْتُ مصرَ فَوَجدْتُ بِها حَدّاداً يُخرِجُ الحديدَ مِنَ النَّارِ بِيَدِهِ وَيقلِبُهُ عَلَى السّندانِ، وَلا يَجدُ لِذلكَ ألَمَاً،
فَقُلْتُ في نَفسي: هَذَا عبدٌ صالحٌ لا تَعدو عَليهِ النَّارُ،
فَدَنَوتُ منهُ وَسَلَّمْتُ عَليهِ، فَرَدَّ عَليَّ السَّلامَ،
فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيّدي، بالّذي مَنَّ عَلَيكَ بِهذهِ الكَرَامَةِ إلَّا مَا دَعَوتَ لي،
فَبَكى وَقالَ: يا أخي، مَا أنا كَمَا ظَنَنْتَ،
فَقُلْتُ لَهُ: يا أخي، إنَّ هَذا الّذي فَعَلْتَهُ لَا يَقدِرُ عَليهِ إلَّا الصّالحونّ،
فَقالَ: اسمعْ إنَّ لي حَديثَاً عَجيباً،
فَقُلْتُ: فَإنْ رَأَيتَ أنْ تَطرِفَني بِهِ فَافعَلْ،
قَالَ: نعم، كُنْتُ يَومَاً مِنَ الأيَّامِ جَالِسَاً في هذا المكانِ وَكُنْتُ كَثيرَ التّخليطِ، إذْ وَقَفَتْ عَلَيَّ امرأةٌ جميلةُ الصّورَةِ لَمْ أرّ قَطُّ أحسَنَ مِنْها وَجهَاً،
فَقَالَتْ: يا أخي، هَلْ عِندَكَ شَيئاً للهِ تَعَالى؟
فَلمَّا نَظرْتُ إليها فُتِنْتُ بِهَا،
وَقُلْتُ لَها: هلْ لكِ أنْ تَمضي مَعي إلى البيتِ وَأدفَعُ لَكِ مَا يَكفيكِ زَمَاناً طَويلاً،
فَقَالَتْ: وَاللهِ لَسْتُ مِمَّنْ يَفعَلُ هَذا،
فَقُلْتُ: اذهَبي عَنّي،
قَالَ: فَذَهَبَتْ وَغَابَتْ عَنّي طَويلَاً، ثُمَّ رَجَعَتْ
وَقالَتْ: قَدْ أحوَجَتْني الضّرورَةُ إلى مَا أرَدْتَ،
قالَ: فَغلّقْتُ الدُّكّانَ وَمَضَيتُ بِهَا إلى البَيتِ،
فَقَالَتْ: يا هذا، إنَّ لي أطفالاً وَقَدْ تَرَكْتُهُمْ عَلَى فَاقَةٍ، فَإنْ قَدرْتَ أنْ تُعطيني شَيئاً أذهَبُ بِهِ إليهِمْ وأرجِعُ إليكَ فَافعَلْ مَا بَدَا لَكَ،
قَالَ: فَأخَذْتُ عَلَيها العَهدَ وَالميثاقَ،
ثُمَّ دَفعْتُ إليها دَرَاهِمَ فَمَضَتْ وَغابَتْ سَاعةً ثُمَّ رَجَعَتْ،
فَدَخَلْتُ مَعَها إلى البيتِ وأغلَقْتُ البابَ،
فَقَالَتْ: لِمَ فَعَلْتَ هَذا؟
فَقُلْتُ: خَوفَاً مِنَ النّاسِ،
فَقَالَتْ: وَلِمَ لا تَخافُ مِنْ رَبّ العَالمينَ؟
قُلْتُ: إنّهُ غَفورٌ رَحيمٌ،
ثُمَّ تَقدَمْتُ إليها فَوَجَدْتُها تَضطرِبُ كَمَا تَضطرِبُ السّعفَةُ في يَومِ ريحٍ عَاصِفٍ وَدموعُهَا تَتَحَدّرُ عَلَى خَدَّيها،
فَقُلْتُ لَهَا: مِمَّ اضطرابُكِ وَبُكاؤكِ؟
فَقَالَتْ: يا هذا، خَوفَاً مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ،
ثُمَّ قَالَتْ: يا هذا إنْ تَرَكْتَني للهِ عَزَّ وَجَلَّ ضَمِنْتُ لَكَ أنْ لا يُعَذّبَكَ بِنارِهِ لا في الدُّنيا وَلا في الآخِرَةِ،
قالَ: فَقُمْتُ عَنها وَدَفعْتُ لَها جَميعَ مَا كانَ عندي،
فَقُلْتُ: اذهبي لِسَبيلِكِ وَقَدْ تَرَكْتُكِ خَوفاً مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ،
قالَ: فَلمَّا فَارَقْتني غَلَبَتْني عَيني
فَرَأيتُ امرَأةً أحسَنَ مِنها وَجهاً، وَعَلَى رَأسِهَا تَاجٌ مِنْ ياقوتٍ،
فَقَالَتْ: يا هَذَا، جَزَاكَ اللهُ عَنَّا خَيرَاً،
فَقلْتُ لَهَا: وَمَنْ أنتِ؟
فَقَالَتْ أنا أمُّ الصّبيةِ الّتي أتّتْكَ وَتَركْتَها خَوفَاً مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، لَا أحرَقَكَ اللهُ بِنارِهِ لَا في الدّنيا وَلا في الآخِرَةِ،
قُلْتُ لَهَا: وَمَنْ هيَ يَرحَمُكِ اللهُ؟
فَقَالَتْ: هيَ ابنَتي مِنْ نَسلِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ،
..
فَحِمدْتُ اللهَ عَزّ وَجَلَّ إذْ وَفّقَني وَعَصَمَني
ثُمَّ ذَكَرْتُ قَولَهُ تَعَالَى: ” إنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمَ الرِّجسَ أهلَ البَيتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطهيرَاً”
ثُمَّ أفقْتُ مِنْ ذلكَ الوَقتِ لَمْ تَعُدُ عَليَّ نارُ الدُّنيا وَأرجو أنْ لا تَعدو علَيَّ في الآخِرَة.
من كتاب المواعظ والمجالس لابن الجوزي ومزعج الألباب