يُروى أنَّ رجلاً حكيماً أعرابياً يعيشُ مع أولادِهِ وبناتِهِ لهم إبلٌ وغنمٌ يرعونَها، ولهم كلبٌ يحمي الغنمَ من الذئابِ.
وفي يومٍ من الأيامِ جاءَ أحدُ سفهاءِ الحيّ وقتلَ كلبَ الحراسةِ لهذا الشّيخِ وأبنائِهِ….
فذهبَ إليهِ أبنائُهُ وقالُوا لهُ: إنَّ فلاناً قتلَ كلبنا.
فقالَ: اذهبوا واقتلوا من قتلَ الكلبَ…!!!
فجلسَ أبنائُهُ يتشاورونَ هل ينفِّذونَ أمرَ أبيهم بقتلِ قاتلِ كلبِهم!!
فاجتمعُوا على أنَّ أباهم كَبرَ وأصابَهُ الخرفُ في عقلِهِ فكيفَ يقتلونَ إنساناً بكلبٍ؟ وأهملُوا أمرَ أبيهم.
وبعدَ مرورِ شهرينِ أو يزيدُ قليلاً هجمَ اللّصوصُ وساقُوا إبلَ الرجلِ وغنمَهُ، ففزعَ أبناءُ الرجلِ إلى أبيهم وقالُوا: إنَّ اللّصوصَ هجمُوا علينا وساقُوا الإبلَ والغنمَ.
فردَّ عليهم أباهم: اذهبوا واقتلوا من قتلَ الكلبَ.
فقالَ أبنائُهُ: هذا الرجلُ أصابَهُ الجنونُ نحدّثهُ عن اللّصوصِ وسرقةِ الإبلِ والغنمِ فيقولُ: اقتلوا قاتلَ الكلبِ!!
وبعدَ فترةٍ قصيرةٍ هجمتْ عليهم قبيلةٌ أخرى وسبوا إحدى بناتِ هذا الشّيخِ وساقُوها معهم، ففزعَ الأولادُ إلى أبيهم وقالُوا: سُبيتْ أختُنا وهاجمونا واستباحُوا بيتَنا
فقالَ لهمْ أبوهم: اقتلوا من قتلَ الكلبَ.
فجلسَ الأولادُ يفكّرونَ في أمرِ هذا الشّيخِ الكبيرِ هلْ جنَّ أم أصابَهُ سحرٌ أم ماذا؟!
فقامَ ابنهُ الأكبرُ وقالَ: سأطيعُ أبي ولِنرَى ما سيكونُ..
فقامَ إلى سيفِهِ واحتملهُ وذهبَ إلى قاتلِ كلبِهم وقالَ لهُ: أنتَ قتلتَ كلبَنا وأمرني أبي بقَتلِكَ، وفصلَ رأسَهُ بسيفِهِ
فطارتْ أخبارُ قتلهمْ لقاتلِ كلبِهم، وطافتْ الأفاقُ
فقالَ اللّصوصُ: إن كانُوا قتلوا قاتلَ كلبهم فكيفَ سيفعلون بنا وقدْ سرقنا إبلَهم وغنمَهم؟؟!!
وفي عتمةِ اللّيلِ تسللَ اللّصوصُ وأعادُوا الإبلَ والغنمَ إلى مراعي الرجلِ، وعلمتْ القبيلةُ المغيرةُ السّابيةُ لبنتِ الرجلِ بقتلهم قاتلَ كلبِهم فقالُوا: إن كانُوا قتلُوا رجلاً بكلبٍ فماذا سيفعلونَ معنا وقدْ سبينا بنتهم؟
فأعادُوا البنتَ وخطبوها لابنِ شيخِ قبيلتهم.
وعندَها جلسَ أبناءُ الرجلِ وفهمُوا حكمةَ أبيهم وأنّهُ لم يخرفْ.
عندما تغضُّ الطرفَ عن بعضِ حقوقكَ سيتجرَّأُ الآخرينَ على سرقَتِكَ في وَضَحِ النّهارِ لا لشجاعةٍ منهم وإنّما سكوتُكَ هوَ الذي منحَهم التطاولَ عليكَ دونَ حياءٍ أو خوفٍ
وهذا ليسَ متناقضاً مع العفوِ، فالعفوُ مقرونٌ بالمقدرةِ
ولا يسمى عفواً إن كانَ مع عجزٍ بل يسمى جُبناً وذُلّاً.