أستاذ الفقه المقارن – كلية الشريعة – دمسق سابقاً
كنت قد طلبت من أستاذنا خلاصة حكمه الشرعي على التدخين فأعطاني في مكتبه في كلية الشريعة في الكويت ما يلي :
بسم الله الرحمن الرحيم
حكم شرب الدخان
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد ابتلي الناس في العالم أجمع بشرب الدخان ، حتى أصبح أكبر ظاهرة عالمية في الأرض ، ولا يوجد ما ينافس المدخنين في الكثرة والشيوع في أرجاء المعمورة ،وكثرت الأسئلة عن الحكم الشرعي عن الدخان في القديم والحديث .
والحكم على الشيء فرع عن تصوره ، وكان الأطباء قبل ربع قرن ونيف يقررون وجود ضرر للدخان ، ولكنهم لا يجزمون به ، ولا يقطعون بأضراره على جسم الإنسان ، ولذلك اتجه معظم العلماء في ذلك الوقت إلى الحكم على شرب الدخان بأنه مكروه ، وبيعه مكروه ، لما فيه من احتمال الضرر ، وإنفاق المال في غير منفعة ، وكنت وقتها أفتي بذلك .
وفي الربع الأخير من القرن العشرين أثبت الأطباء والمخبريون والصيادلة بشكل جازم وقاطع ضرر الدخان الأكيد ، وثبت ذلك بالتحليل والعمليات الجراحية والتجارب الطبية ، وجزم أصحاب الخبرة والاختصاص بثبوت ضرر الدخان ، وأن له أضرار كثيرة على الجهاز التنفسي و الجهاز الهضمي ، والجهاز العصبي ، وحتى على الحمل والجنين ، وزادت الاختبارات والتحاليل وأكدت ثبوت ضرر الدخان حتى على المجاورين للمدخن ، و المعاشرين له ، والساكنين معه ، والمشاركين في حياته ، وقرر مندوب منظمة الصحة العالمية الدكتور هيثم الخياط في ندوة المنظمة الطبية الإسلامية بالكويت أنه لا يوجد شيء في العالم اتفق الأطباء وأجمعوا على ضرره إلا الدخان ، فتقرر إجماع أهل الاختصاص بضرره المحتم والأكيد حتى بيّنوا أعداد الملايين الذين يموتون بسبب الدخان في العالم .
ولذلك نرى أن الدخان حرام في الشرع ، ويجب اجتنابه ، ويحرم بيعه واقتناؤه ، والضيافة منه ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا ضرر ولا ضرار )) ولثبوت منع الضرر شرعاً والنهي عنه في آيات كثيرة ، وأحاديث عديدة ، وأن الشريعة الغراء جاءت لتحقيق مصالح الناس في الدنيا والآخرة ، وذلك بجلب النفع لهم ، ودفع الضرر والأذى عنهم ، ولأن المفاسد والأضرار منهي عنها شرعاً ، وحذّر الشرع منها ، وحرمها من أجل حماية الإنسان من أضرارها .
ولأن ضرر الدخان لا يقتصر على الجسم و البدن، بل يشمل الضرر الأكيد في المال، وإتلافه بدون وجه حق ، وإنفاق قدر كبير من الراتب والدخل على شرب الدخان ، ولو حفظت ، أو قدمت غذاء للفقراء والمساكين ، لأدت نتائج مثمرة ، ومنافع مؤكدة ، ولذلك اغتنت شركات الدخان ، وجمعت الثروات الطائلة ، وتقوم بمزيد من الدعاية له ، والترغيب في أنواعه ، وإغواء الناس به ، وخاصة الشباب والمراهقين .
نسأل الله تعالى أن يعافينا من كل ابتلاء، وأن يعافي المدخنين من هذا المرض والداء، وأن يلهم الجميع العمل بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والالتزام بمقتضى العقل وما فيه الخير والنفع والمصلحة، والحمد لله رب العالمين .
الكويت في 6/8/1419ه – 25/11/1998م
الأستاذ الدكتور محمد الزحيلي
أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة جامعة الكويت ص169
الملحق:
الدخان والمرأة [ص 302]
يقول الدكتور نبيل صبحي:
والمرأة أكثر تأثرا من الرجال بالنتائج المضرة للتبغ كما هو الحال معها في الخمور[فإذا استهلك الرجل 132 غ من الكحول يوميا يتعرض للإصابة بتشمع الكبد أما المرأة فيكفيها أن تستهلك يوميا 52 غ فقط للتعرض لنفس الإصابة بالتشمع] وتفسير ذلك هو في أساس الاستعداد البنيوي الموروث في المرأة.
وجسمها أقل استعدادا للتخلص السريع من المواد الغريبة عن الجسم كالسموم
وبازدياد عدد المدخنات ارتفعت نسبة الوفيات والإصابة لأمراض الناتجة عن التدخين ففي السنوات العشر الأخيرة ارتفع عدد الإصابات بسرطان الرئة بين النساء بنسبة 50%والمعلوم أن 905 من سرطان الرئة سببها التدخين.
اعترافات شركات التبغ بالخداع والقتل [ص306]