حُكمُ مصافحةِ النساءِ عندَ المذاهبِ الأربعةِ :
اتّفقَ فقهاءُ الأمّةِ على تحريمِ لمسِ المرأةِ الأجنبيةِ ومصافحتِها إلّا لضرورةٍ دعتْ إليهِ كمداواةِ طبيبٍ ، وهذا مذهبُ الفقهاءِ الأربعةِ رضيَ اللهُ عنهم .
عن معقلِ بنِ يسارٍ يقولُ : قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلم : ( لأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لا تَحِلُّ لَهُ. ) . [رواهُ الطبراني في الكبير]
قالَ ابنُ نُجيم :” ولا يجوزُ لهُ أن يمسَّ وجهَها ولا كفَّها وإن أمنَ الشهوةَ لوجودِ المحرّمِ ولانعدامِ الضرورةِ “
وعن عائشةَ زوجِ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وسلمْ قالت : كَانَتِ الْمُؤْمِنَاتُ إِذَا هَاجَرْنَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمْتَحَنَّ بِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ ) الممتحنة/ 12 ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ، فَقَدْ أَقَرَّ بِالْمِحْنَةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَقْرَرْنَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِنَّ، قَالَ لَهُنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( انْطَلِقْنَ، فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ ) وَلَا وَاللهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ، غَيْرَ أَنَّهُ يُبَايِعُهُنَّ بِالْكَلَامِ قالتْ عائشة : “والله ما أخذَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهِ عليه وسلَّم النِّساء قطُّ إلَّا بما أمره الله تعالى، وما مَسَّت كَفُّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كَفُّ امرأةٍ قطُّ وكانَ يقولُ لهنَّ إذا أخذَ عليهنَّ قدْ بايعتكنَّ كلاما. [رواه مسلم ]
وعن عروةَ أن عائشةَ أخبرتهُ عن بيعةِ النّساءِ قالت : ( مَا مَسَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ امْرَأَةً قَطُّ إِلاَّ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا فَإِذَا أَخَذَ عَلَيْهَا فَأَعْطَتْهُ قَالَ اذْهَبِي فَقَدْ بَايَعْتُكِ ) [رواه مسلم]
فهذا المعصومُ خيرُ البشريةِ جمعاء سيدُ ولد ِآدمَ يومَ القيامةِ لا يمسُّ النساء ، هذا مع أنّ الأصلَ في البيعةِ أنْ تكونَ باليدِ ، فكيفَ غيرُه من الرجال ؟ .
وعن أُميمةَ ابنةِ رقيقة قالت : قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلم : ( إنِّي لا أصافحُ النساءَ) [رواه النسائي ، وابن ماجه] .
ثانياً :
لا تجوزُ المصافحةُ ولو بحائلٍ من تحتِ ثوبٍ وما أشبَههُ والذي وردَ بذلك من الحديثِ ضعيف :عن معقلِ بن يسارٍ أنّ النّبي صلّى اللهُ عليهِ وسلم ( كان يصافحُ النّساءَ من تحتِ الثوبِ ) .[رواه الطبراني في الأوسط] قالَ الهيثمي : ” رواه الطبراني في [ الكبير] و [ الأوسط ] ، وفيه عَتَّابِ بن حربٍ ، وهو ضعيفُ ” [مجمع الزوائد]
قالَ وليُّ الدينِ العراقي :” قولها رضيَ اللهُ عنها : ( كانَ يبايعُ النّساءَ بالكلامِ ) ، أي : فقط من غيرِ أخذِ كفٍّ ولا مصافحةٍ ، وهو دالٌ على أنّ بيعةَ الرجالِ بأخذِ الكفِّ والمصافحةِ مع الكلامِ وهو كذلك ، وما ذكرتهُ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها من ذلكَ هو المعروف .
وذكرَ بعضُ المفسرين ” أنّهُ عليهِ الصلاةُ والسلام دعا بقدحٍ من ماءٍ فغمسَ فيهِ يدَهُ ثم غمسَ فيهِ أيديهنَّ ! وقالَ بعضُهم : صافحَهنَّ بحائلٍ وكانَ على يدهِ ثوبٌ قطري ! وقيلَ : كانَ عمرُ رضيَ اللهُ عنهُ يصافحُهنَّ عنه !”
ولا يصحُّ شيءٌ من ذلكَ ، لا سيما الأخيرُ ، وكيفَ يفعلُ عمرُ رضيَ اللهُ عنهُ أمراً لا يفعلهُ صاحبُ العصمةِ الواجبةِ ؟[طرح التثريب ]
رابعاً :
وأمّا مذاهبُ العلماءِ الأربعةِ فكما يلي:
قالَ ابنُ نجيم :” ولا يجوزُ لهُ أن يمسَّ وجهَها ولا كفَّها وإن أمنَ الشهوةَ لوجودِ المحرّمِ ولانعدامِ الضرورة ِ” [البحر الرائق]
قالَ محمّدٌ بنُ أحمدٍ ( عليش ) :” ولا يجوزُ للأجنبيّ لمسَ وجهِ الأجنبيةِ ولا كفّيها ، فلا يجوزُ لهما وضعَ كفِّهِ على كفِّها بلا حائلٍ ، قالتْ عائشةٌ رضيَ اللهُ تعالى عنها : ( ما بايعَ النّبي صلّى اللهُ عليهِ وسلم امرأةً بصفحةِ اليدِ قطّ إنّما كانتْ مبايعتهُ صلّى اللهُ عليهِ وسلم النساءَ بالكلامِ ) ، وفي روايةٍ ( ما مسّت يدهُ يدَ امرأةٍ وإنّما كانَ يبايعهنَّ بالكلامِ ) . “[ منح الجليل شرح مختصر خليل] .
قالَ النووي :” ولا يجوزُ مسّها في شيءٍ من ذلكَ “.[ المجموع ] .
وقالَ ولي الدين العراقي :وفيهِ : ” أنّهُ عليهِ الصلاةُ والسلام لم تمسْ يدهُ قطّ يدَ امرأةٍ غيرَ زوجاتِهِ وما ملكتْ يمينهُ ، لا في مبايعةٍ ، ولا في غيرِها ، وإذا لم يفعلْ هو ذلكَ مع عصمتهِ وانتفاءِ الريبةِ في حقّهِ : فغيرهُ أولى بذلكَ ، والظاهرُ أنّهُ كانَ يمتنعُ من ذلكَ لتحريمهِ عليهِ ؛ فإنّهُ لم يُعدَّ جوازهُ من خصائصهِ ، وقدْ قالَ الفقهاءُ من أصحابنا وغيرُهم : إنّهُ يحرمُ مسَّ الأجنبيةِ ولو في غيرِ عورتها كالوجهِ ، وإن اختلفوا في جوازِ النظرِ حيث لا شهوةَ ولا خوفَ فتنةٍ، فتحريمُ المسِّ آكّد من تحريمِ النّظرِ ، ومحلُ التّحريمِ ما إذا لم تدعُ لذلكَ ضرورةً فإن كانَ ضرورةً كتطبيبٍ وفصدٍ وحجامةٍ وقلعِ ضرسٍ وكحلِ عينٍ ونحوها ممّا لا يوجدُ امرأةٌ تفعلهُ جازَ للرجلِ الأجنبيّ فعلهُ للضرورةِ “ .[طرح التثريب]
وقالَ ابنُ مفلحٍ :” سُئلَ أبو عبدِ الله – أيّ الإمامُ أحمد – عن الرجلِ يصافحُ المرأةَ قال : “ لا وشدّدَ فيهِ جداً ، قلت : فيصافحُها بثوبهِ ؟ قالَ : لا …”
والتّحريمُ اختيارُ الشّيخِ تقي الدّين ، وعلّلَ بأنَ الملامسةَ أبلغُ من النظرِ ” [الآدابُ الشرعيّةُ]واللهُ أعلمْ