الشبهة وردها بالفصيل:
نساءٌ خيِّراتٌ كنَّ سافراتٍ:
الشبهة :
احتجَّ أعداءُ الحجابِ بأنَّ في شهيراتِ النساءِ المسلماتِ على اختلافِ طبقاتهنَّ كثيرًا ممّن لم يرتدينَ الحجابَ ولم يتجنّبنَ الاختلاطَ بالرّجالِ.
وعمَدَ المروّجونَ لهذهِ الشّبهةِ إلى التّاريخِ وكُتبِ التّراجمِ، يفتّشونَ في طولِها وعرضِها وينقّبونَ فيها بحثًا عن مثلِ هؤلاءِ النّساءِ حتّى ظفروا بضالّتِهم المَنشودةِ ودرَّتِهم المفقودةِ، فالتقطوا أسماءَ عددٍ من النساءِ لم يكنَّ يُبالينَ ـ فيما نقلتْهُ الأخبارُ عنهنَّ ـ أنْ يظهرنَ سافراتٍ أمامَ الرّجالِ، وأن يلتقينَ معهم في ندواتٍ أدبيَّةٍ وعلميَّةٍ دونما تحرّزٍ أو تحرّجٍ
الرد:
1- منَ المعلومِ والمتقرّرِ شرعاً أنَّ الأدلّة َالشرعيَّةَ التي عليها تُبنى الأحكامُ هي الكتابُ والسّنةُ والإجماعُ والقياسُ، فضمنَ أيِّ مصدرٍ من مصادرِ التّشريعِ تندرجُ مثلُ هذهِ الأخبارِ، خاصةً وأنّ أغلَبها وقعَ بعدَ التشريعِ وانقطاعِ الوحيِ؟!
2- وإذا علِم أنَّ أحكامَ الإسلامِ إنّما تؤخذُ من نصٍّ ثابتٍ في كتابِ اللهِ تعالى أو حديثٍ صحيحٍ من سنةِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أو قياسٍ صحيحٍ ٍعليهما أو إجماعٍ التقى عليهِ أئمةُ المسلمينَ وعلماؤهم لم يصحَّ حينئذٍ الاستدلالُ بالتصرّفاتِ الفرديّةِ من آحادِ الناسِ أو ما يسمّيهِ الأصوليّونَ بـ”وقائع الأحوالِ”، فإذا كانتْ هذهِ الوقائعُ الفرديّةُ من آحادِ الناسِ لا تُعتبرُ دليلاً شَرعيًا لأيِّ حُكمٍ شرعيٍّ حتّى لو كانَ أصحابُها منَ الصَّحابةِ رضوانُ اللهِ عليهم أو التابعينَ من بعدِهم فكيفَ بمن دونهم؟!
بل المقطوعُ به عندَ المسلمينَ جميعًا أنَّ تصرفاتِهم هي الّتي توزنُ ـ صحَّةً وبطلانًا ـ بميزانِ الحكمِ الإسلاميِّ، وليسَ الحكمُ الإسلاميُّ هو الذي يوزنُ بتصرفاتهم ووقائعِ أحوالِهم، وصدقَ القائلُ: لا تعرف الحقَّ بالرّجالِ، اعرف الحقَّ تعرف أهلَهُ
3- ولو كانَ لتصرّفاتِ آحادِ الصحابةِ أو التّابعينَ مثلاً قوةُ الدليلِ الشرعيِّ دونَ حاجةٍ إلى الاعتمادِ على دليلٍ آخرَ لبطلٍ أن يكونوا معرّضينَ للخطأ والعصيانِ، ولَوجبَ أن يكونوا معصومينَ مثلَ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وليسَ هذا لأحدٍ إلا للأنبياءِ عليهم الصلاةُ والسلامُ، أمّا من عداهم فحقَّ عليهم قولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: ((كلُّ بني آدمَ خطّاءٌ))، وإلاّ فما بالُنا لا نقولُ مثلاً: يحلُّ شربُ الخمرِ فقد وجِدَ فيمن سلفَ في القرونِ الخيِّرةِ من شربِها؟!
4- وما بالُ هؤلاءِ الدّعاةِ إلى السّفورِ قد عمَدُوا إلى كتبِ التّاريخِ والتّراجمِ فجمعُوا أسماءَ مثلِ هؤلاءِ النسوةِ من شتّى الطبقاتِ والعصورِ، وقد علموا أنّهُ كانَ إلى جانبِ كلِّ واحدةٍ منهنَّ سوادٌ عظيمٌ وجمعٌ غفيرٌ منَ النّساءِ المتحجّباتِ السّاتراتِ لزينتِهِنَّ عنِ الأجانبِ من الرجالِ؟! فلماذا لم يَعتبرْ بهذهِ الجمهرةِ العظيمةِ ولم يجعلها حجَّةً بدلاً من حالِ أولئكَ القلَّةِ الشَّاذةِ المستثناةِ؟!
يقولُ الغزاليُّ: “لم تزلِ الرّجالُ على مرِّ الأزمانِ تكشفُ الوجوهَ، والنساءُ يخرجْنَ منتقّباتٍ أو يُمنعنَ منَ الخروجِ، ويقولُ ابن ُرسلان: “اتفقَ المسلمونَ على منعِ النساءِ من الخروجِ سافراتٍ”
ولماذا لم يحتج بمواقفِ نساءِ السَّلَفِ من الصحابةِ والتابعينَ ومن تبعهم بإحسانٍ في تمسُّكهم بالحجابِ الكاملِ واعتبارِه أصلاً راسخًا من أصولِ البنيةِ الاجتماعيَّةِ؟!