الشبهة وردها بالفصيل:
الإسلامُ لا يشجّعُ تعليمَ المرأةِ:
الشبهة:
يموهُ بعضُ المغرضينَ ويزعمُ بعضُ الجاهلينَ أنَّ الإسلامَ لا يشجّعُ على تعليمِ المرأة، وأنه يفضّلُ أن تبقى جاهلةً أو أقربَ إلى الجهلِ
الرد:
1- إنَّ أولَ ما بُدئ بهِ من الوحيِ قولُ اللهِ لرسولهِ محمد صلى الله عليه وسلم: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الَّذِى خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَـنَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَـنَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:1-5]. ولقد بدأَ الوحيُ بالأمرِ بالقراءةِ لأنها أهمُّ وسائلِ تثبيتِ المعرفةِ ومتابعةِ حلقاتِهَا، والقراءةُ إنما تكونُ بعدَ الكتابةِ، ومن أجلِ ذلكَ أظهرَ اللهُ منّتهُ على عبادهِ إذ علّمَ بالقلمِ، فعلّمَ الإنسانَ ـ كل الإنسانِ بشطرَيهِ الذكرِ والأنثى ـ ما لم يعلم. وهذهِ الدّعوةُ التي دعا الله بها الإنسانَ إلى العلمِ منذُ اللحظاتِ الأولى الّتي بدأَ بها إنزالُ تعاليمِ الإسلامِ أكبرُ برهانٍ يدلُّ على التّسويةِ التّامةِ بين شطري الإنسانِ الذكرِ والأنثى في ميدانِ دعوتهما إلى العلمِ والمعرفةِ 2- وقد حرصَ الإسلامُ كلَّ الحرصِ على تعليمِ المرأةِ ما تكونُ به عنصرَ صلاحٍ وإصلاحٍ في مجتمعٍ إسلاميٍّ متطوّرٍ إلى الكمالِ، متقدّمٍ إلى القوّةِ والمجدِ، آمنٍ مطمئنٍّ سعيدٍ. ولتحقيقِ هذا الهدفِ حرصَ على اشتراكها في المجامعِ الإسلاميّةِ العامةِ الكبرى منها والصغرى، فأَذِنَ لها بحضورِ صلاةِ الجماعةِ، وأن تشهدَ صلاةَ الجمعةِ وخُطبتها، ورغبها في أن تشهدَ صلاةَ العيدِ وخطبتها حتى ولو كانَت في حالةِ العذرِ المانعِ لها من أداءِ الصلاةِ، وأمرها بالحجِّ والعمرةِ، وحثَّها على حضورِ مجالسِ العلمِ، وخاطبَ الله ُ النساءَ بمثلِ ما خاطبَ به الرجالَ، وجعلهنَّ مندرجاتٍ في عمومِ خطابِ الرّجالِ في معظمِ الأحوالِ حرصًا على تعليمهنَّ وتثقيفهنَّ وتعريفهنَّ أمورَ دينهنَّ ومشاركتهنَّ في القضايا العامّةِ وقد كانَ الرسول صلى الله عليه وسلم يخصصُ للنساءِ أيامًا يجتمعنَ فيها، ويعلمهنَّ ممّا علّمهُ اللهُ، إضافةً إلى الأيامِ الّتي يحضرْنَ فيها معَ الرجالِ، ليتزوّدْنَ من العلمِ ما يخصّهنَّ ويتعلّقُ بشؤونهنَّ ممّا ينفردْنَ به عن الرجالِ بمقتضى تكوينهنَّ الجسديِّ والنفسيِّ. عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: جاءت امرأةٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسولَ الله، ذهبَ الرجالُ بحديثِكَ، فاجعل لنا من نفسِكَ يومًا نأتيكَ فيهِ، تعلّمنا ممّا علمكَ اللهُ، قالَ: ((اجتمعْنَ يوم كذا وكذا))، فاجتمعْنَ فأتاهُنَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فعلمهُنَّ ممّا علّمهُ اللهُ الحديثَ أخرجه البخاري وثبتَ أنّ الشفاءَ بنتَ عبدِ اللهِ المهاجرةَ القرشيةَ العدويةَ علّمت حفصةَ أمّ المؤمنينَ الكتابةَ بإقرارٍ من رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه أحمد، وهذه أمُّ المؤمنينَ عائشةُ بنتُ أبي بكرٍ رضي الله عنهما كانَت من أفقهِ نساءِ العالَم، كثيرةَ الحديثِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 4- والتاريخُ الإسلاميُّ حافلٌ بأخبارِ نساءِ المسلمينَ الّلاتي بلغْنَ من العلمِ درجةً رفيعةً ومكانةً عاليةً، فكان منهنَّ الأديباتُ والشاعراتُ والفقيهاتُ. فهذه زبيدةُ زوجةُ هارون الرشيد كانت عالمةً. وكريمةُ بنتُ محمدٍ المروزية جاورت بمكةَ، وروت صحيح البخاري، وكانت نابغةً في الفهمِ والنّباهةِ وحدّةِ الذّهنِ بحيثُ يرحلُ إليها أفاضلُ العلماءِ. وزينبُ بنتُ أبي القاسمِ كانت عالمةً، أدركت جماعةً من أعيانِ العلماءِ وأخذت عنهم، وأجازهَا أبو القاسمِ محمودٌ بنُ عمرٍ الزمخشريّ والمؤرخُ ابن خلكان. وعائشةُ بنتُ محمّدٍ بنِ عبدِ الهادي بنِ عبدِ الحميدِ بنِ قدامةَ المقدسيِّ، سمّعتْ صحيحَ البخاري على حافظ ِالعصرِ المعروفِ بالحجارِ، وروى عنها الحافظُ ابنُ حجرٍ، وانفردَتْ في آخرِ عمرها بعلمِ الحديثِ. وذكرَ عبدُ الواحدِ المراكشيّ أنه كانَ بالربضِ الشرقيِّ في قرطبة 470 امرأةً كلهنَّ يكتبُ المصاحفَ بالخطّ الكوفيِّ. وغيرُ هذا كثيرٌ. فلم يكنِ الإسلامُ مانعًا لتعلّمِ المرأةِ وتقدّمها في حضارةِ الحياةِ العلميّةِ والعمليّةِ، ولم يكن مُجحفًا في حقّها ومُهينًا لكرامَتِها الشّبهةُ الثانيةُ : نصوصُ نهيِ المرأةِ عن التّعلّمِ: وأما تصحيحُ الحاكمِ للروايةِ الّتي أخرجهَا فقد تعقّبهُ الحافظُ ابنُ حجرٍ بقولِه: “بل عبدُ الوهابِ بنُ الضحاكِ متروكٌ، وقد تابعه محمدُ بن إبراهيمَ الشامي عن شعيبِ بنِ إسحاقٍ، وإبراهيم رماه ابن حبان بالوضع” وقال شمسُ الحقِّ آبادي: “وأحاديثُ النّهيِ عن الكتابةِ كلُّها من الأباطيلِ والموضوعاتِ ولم يصحّحِ العلماءُ واحدًا منها، ما عدا الحاكمُ الحافظُ أبا عبدِ الله، وتساهلهُ في التصحيحِ معروفٌ، وتصحيحهُ متعقبٌ عليه… ومن قال: إنّ البيهقيَّ أيضًا صحّحَ حديثَ النّهيِ وتَبِعَهُ جلالُ الدينِ السّيوطيّ فهذا افتراءٌ عظيمٌ على البيهقيِّ والسيوطيِّ”. إلى أن قالَ: “وخلاصةُ الكلامِ أنهُ لا ريبَ في جوازِ تعليمِ الكتابةِ للنساءِ البالغاتِ المشتهياتِ بواسطةِ النساءِ الأخرياتِ أو بواسطةِ محارمهنَّ، أمّا البناتُ غيرُ البالغاتِ وغيرُ المشتهياتِ فيتعلّمنَ ممّن شئنَ. وليستِ الكتابةُ سببًا للافتتانِ لأنّها إن كانت سببًا للفتنة لما أباحها الشّارعُ، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم:64]، والّتي تصابُ بفتنةٍ إنما تصابُ بأمرٍ غيرِ الكتابِ” قالَ الشيخُ عبدُ اللهِ بنُ زيدٍ آلِ محمود: “أمّا ما يُذكرُ من نهيِ النساءِ عن الكتابةِ فإنّ الحديثَ مكذوبٌ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وقد حقّقَ العلماءُ بطلانَهُ فسقطَ الاحتجاجُ بهِ. وقولُ الحقِّ هو أنَّ المرأةَ كالرجلِ في تعلُّمِ الكتابةِ والقراءةِ والمطالعةِ في كتبِ الدينِ والأخلاقِ وقوانينِ الصحةِ والتدبيرِ وتربيةِ العيالِ ومبادئِ العلومِ والفنونِ، منَ العقائدِ الصحيحةِ والتّفاسيرِ والسيرِ والتّاريخِ وكتب ِالحديثِ والفقهِ، كلُّ هذا حسنٌ في حقّها، تخرجُ به عن حضيضِ جهلها، ولا يُجادِلُ في حُسنهِ عاقلٌ، مع الالتزاِم بالحشمةِ والصيانةِ وعدمِ الاختلاطِ بالرجالِ الأجانب” |