الدَّعوةُ إلى اللهِ تعالى بينَ المطلوبِ والمفهومِ :
مِنَ المعلومِ أنَّ للزمانِ والمكانِ تأثيراً كبيراً في إعطاءِ الكلمةِ معناها وتحديدَ ما تَدُلُّ عليهِ .
ولكنّ ذلكَ قدْ يحرِّفُ الكلمةَ أو المصطلحَ عنْ معناهُ المطلوبِ إلى معانٍ أضيقَ أو أبعدَ عنِ المرادِ ، خصوصاً عندما يَرتَبِطُ الأمرُ بتعبيرٍ مِنْ صلب ِالشرعِ والدّينِ ، فما بَالُكَ إذا كانَ هذا التَّعبيرُ هو توصيفٌ لمهمةِ الأنبياءِ وسرُّ خصوصيةِ أمّةِ التَّوحيدِ ؟
هذا الاصطلاحُ هذا التعبيرُ هذه الكلمةُ هي ” الدعوةُ ” .
فإذا سمعتُ قولَه تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً } [الأحزاب : 45-46]
وقولَهُ تعالى : { ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ } [النَّحل : 125]
وقولَهُ تعالى: { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } [فصلت :33]
وقولَهُ تعالى : { وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ } [الحج : 67]
وقولَهُ تعالى : {وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [المؤمنون :73]
وقولَهُ تعالى : { وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ } [إبراهيم : 9]
وقولَهُ تعالى : { قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً } [نوح : 5]
فإذا قرأتُ كَلِمةَ (ادعُ، دعوة، يدعو، داعٍ …. ) في هذه الآياتِ وأمثالِها أو سمعتُ مثلَ ذلكَ في أحاديثِ النّبيّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ وردَ في خاطري هذا السؤالُ :
– هلِ الدّعوةُ إلى اللهِ تعالى في مفهومِنا اليومَ عِندَما يقولُهَا أحدُنا ، أو حينما أقرؤها عنواناً لمادةٍ من الموادِ الّتي تُدرَّسُ لطُلّابِنا هي نفسُ ما أرادَهُ اللهُ تعالى وعَنَتْه آياتُ القرآنِ الكريمِ ؟؟!
– هل حديثُنا اليومَ عنِ الدعوةِ وهلْ الكتبُ التي أُلِّفَت لها الغرضُ مُنصرفةٌ إلى الحركةِ لنشِر الدّينِ والهمِّ على دخولِ غيرِ المسلمينَ في دينِ الهُدى أيشيرُ كلامُنا عنَها ” الدعوةُ إلى اللهِ ” إلى الفكرِ والبحثِ عن طُرُقِ نَشرِ الهدايةِ وجذبِ الخلقِ إلى خَيرَيّ الدّنيا والآخرةِ ؟
الحقيقةُ أنَّ أغلبَ كلامِنا اليومَ عنِ الدعوةِ نعني بهِ العملَ المسجدي وحلقاتِ العلمِ ومدارسةَ القرآنِ الكريمِ والخطابةَ ودروسَ الوعظِ، وكلُّ ذلكَ ولا شكَّ هو مِنْ أعمالِ الدينِ وجزءٌ مُهِمٌّ وأساسيٌ من دَورِ المسجدِ في الأمَّةِ وتعريفُ أهلِ الهدى بكيفيةِ زيادةِ هُداهُم. ولكنَّه << وسأُفرِدُ إنْ شاءَ اللهُ تعالى مقالاً للحديثِ عن دَورِ المسجدِ وأعمالِ المسجدِ >> لا يقعُ تحتَ مدلولِ كلمةِ ” دعوة “ بل هو ضمن ما يُسمى بالعلمِ والتعلّمِ .
أما الدعوةُ إلى اللهِ تعالى فمعناها أكبرُ وأوسعُ وأعمُّ ، هي الخروجُ إلى أهلِ الغفلةِ من المسلمينَ وإلى غيرِ المسلمين ممنْ لمْ يصلْهم البيانُ والوعظُ والإرشادُ داخلَ المسجدِ، ممّن لمْ تتحرك لديهِ الرغبةُ في الذهابِ إلى أهلِ العلمِ والفضلِ والتّربيةِ .
منْ السهلِ واليسيرِ عليكَ أنْ توجّهَ الشخصَ الذي أتاكَ مختاراً، وتعلمَّهُ أمورَ دينِهِ وأحكامَ ربِهِ وسنةَ نبيّهِ . لكنَّ هذا الغافلَ المعرضَ بلْ والمستهزئَ أحياناً أليسَ هو بحاجةٍ إلى هذا الدينِ وإنْ كانَ لا يشعرُ ، ولا يعلمُ كيفَ يَجلِبُ السعادةَ لنفسهِ وكيفَ يصرفُ عنها السّوءَ والضّرَّ . أليسَ لهُ نصيبٌ من خطابِ اللهِ تعالى أوَليسَتْ آياتُ البشارةِ والنذارةِ موجهةً لنا ولهُ على السواءِ ؟؟!
الدعوةُ التي يريدُها اللهُ هي ما قامَ بهِ الجيلُ الأولُ من الصحابةِ رضوانُ اللهِ تعالى عنهم .
تركوا أرضَهم وبلادَهم وأهلَهم وخرجُوا إلى مشارقِ الدّنيا ومغاربِها يفتحُون القلوبَ بالعطفِ والحبِّ والموعظةِ الحسنةِ قبلَ أنْ يفتحُوا البلادَ بجيوشِ الرّحمةِ .
الدعوةُ إلى اللهِ تعالى هي ما قامَ بهِ السادةُ آلُ باعلوي من آلِ البيتِ في حضرموت، الذين هاجرُوا بدءاً من القرنِ السادسِ الهجريّ وأدخلُوا الإسلامَ إلى الهندِ الصينيةِ وإندونيسا .
الدعوةُ إلى اللهِ هيَ ما نهضَ لهُ الشيخُ محمّدُ إلياسُ الكاندهلوي في الهندِ وأعادَ إقليمَ الميواتِ برمَّتِهِ إلى حظيرةِ الدينِ وبدّلَهُ إلى بلادٍ تنبضُ بالإيمانِ، وتحيا بالدينِ ، بلْ وتصدِّرُ الدعاةَ إلى العالمِ .
الدعوةُ إلى اللهِ هي ما قامَ بهِ الدّاعيةُ إلى اللهِ تعالى الطّبيبُ عبدُ الرحمنِ بنُ سميطٍ رحمهُ اللهُ تعالى ( وقدْ أسلمَ على يدَيهِ في إفريقيا أكثرُ من 10 ملايين إنسان )
هيَ ما قامَ بهِ الشيخُ نعمةُ اللهِ خوجه التركي ( الذي انتقلَ إلى جوارِ ربِّهِ مؤخّراً ) الذي أمَّ ودرَّسَ في مساجدِ مكّةَ لمدّةِ ثلاثةٍ وثلاثينَ عاماً ثمَّ غادرها إلى اليابان لأجلِ الدعوةِ إلى اللهِ تعالى ودخلَ بسبَبِه أكثرُ من 100 ألفٍ من اليابان وغيرِها في دينِ اللهِ تعالى .
إنَّ صرْفَ الدعوةِ إلى المفهومِ الضيّقِ والنّطاقِ الحَرِجِ هو ثمرةٌ لجهودِ أعداءِ الدّينِ القصدُ من ورائِها تحجيمُ دورِ المسلمِ وصرفِهِ عن مهمّتِه التي أقامَهُ اللهُ فيها ووظيفتِهِ العظيمةِ في هذا الوجودِ .
وأقولُ ختاماً علينا أنْ نُدْرِكَ تماماً سَعَةَ وعِظَمِ مفهومِ ” الدعوةُ إلى اللهِ تعالى “
وكمْ هو بُعْدُ المدلولِ لِقولِنا ” الدعوة ُوالدعاةِ “.
والحمدُ للهِ في بدءٍ وفي ختمِ.
وكتبَهُ مهندُ الصَّاغرجي في دمشقَ الشامِ حرَسَها اللهُ وحَفِظَها.