التفصيل:
روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أناس عن الكهان فقال: (إنهم ليسوا بشئ) فقالوا: يا رسول الله، إنهم يحدثونا أحياناً بشيء فيكون حقاً ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه فيخلطون معها مائة كذبة)
قال الحميدي: “ليس ليحيى بن عروة عن أبيه عن عائشة في الصحيح غير هذا وأخرجه البخاري (أيضا) من حديث أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن عن عروة عن عائشة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الملائكة تنزل في العنان وهو السحاب فتذكر الأمر قضي في السماء فتسترق الشياطين السمع فتسمعه فتوجيه إلى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم)
نصوص الفقهاء :
الحنفية :
قال ابن عابدين: “مَطْلَبٌ فِي الْكَاهِنِ وَالْعَرَّافِ (قَوْلُهُ الْكَاهِنُ قِيلَ كَالسَّاحِرِ) فِي الْحَدِيثِ ” «مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَالْكَاهِنُ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ لِلسُّيُوطِيِّ: “مَنْ يَتَعَاطَى الْخَبَرَ عَنْ الْكَائِنَاتِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَيَدَّعِي مَعْرِفَةَ الْأَسْرَارِ”. وَالْعَرَّافُ: الْمُنَجِّمُ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: “هُوَ الَّذِي يَتَعَاطَى مَعْرِفَةَ مَكَانِ الْمَسْرُوقِ وَالضَّالَّةِ وَنَحْوِهِمَا. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكَاهِنَ مَنْ يَدَّعِي مَعْرِفَةَ الْغَيْبِ بِأَسْبَابٍ وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ فَلِذَا انْقَسَمَ إلَى أَنْوَاعٍ مُتَعَدِّدَةٍ كَالْعَرَّافِ.” وَالرَّمَّالِ وَالْمُنَجِّمِ: وَهُوَ الَّذِي يُخْبِرُ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ بِطُلُوعِ النَّجْمِ وَغُرُوبِهِ، وَاَلَّذِي يَضْرِبُ بِالْحَصَى، وَاَلَّذِي يَدَّعِي أَنَّ لَهُ صَاحِبًا مِنْ الْجِنِّ يُخْبِرُهُ عَمَّا سَيَكُونُ، وَالْكُلُّ مَذْمُومٌ شَرْعًا، مَحْكُومٌ عَلَيْهِمْ وَعَلَى مُصَدِّقِهِمْ بِالْكُفْرِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: “يَكْفُرُ بِادِّعَاءِ عِلْمِ الْغَيْبِ وَبِإِتْيَانِ الْكَاهِنِ وَتَصْدِيقِهِ.” وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: “يَكْفُرُ بِقَوْلِهِ أَنَا أَعْلَمُ الْمَسْرُوقَاتِ أَوْ أَنَا أُخْبِرُ عَنْ إخْبَارِ الْجِنِّ إيَّايَ اهـ. قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا أَرْبَابُ التَّقَاوِيمِ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَاهِنِ لِادِّعَائِهِمْ الْعِلْمَ بِالْحَوَادِثِ الْكَائِنَةِ. وَأَمَّا مَا وَقَعَ لِبَعْضِ
الْخَوَاصِّ كَالْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ بِالْوَحْيِ أَوْ الْإِلْهَامِ فَهُوَ بِإِعْلَامٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ حَاشِيَةِ نُوحٍ مِنْ كِتَابِ الصَّوْمِ.”
مَطْلَبٌ فِي دَعْوَى عِلْمِ الْغَيْبِ قُلْتُ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ دَعْوَى عِلْمِ الْغَيْبِ مُعَارِضَةٌ لِنَصِّ الْقُرْآنِ فَيَكْفُرُ بِهَا، إلَّا إذَا أُسْنِدَ ذَلِكَ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً إلَى سَبَبٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى كَوَحْيٍ أَوْ إلْهَامٍ، وَكَذَا لَوْ أَسْنَدَهُ إلَى أَمَارَةٍ عَادِيَّةٍ يَجْعَلُ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِهِ مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ: “وَأَمَّا عِلْمُ النُّجُومِ فَهُوَ فِي نَفْسِهِ حَسَنٌ غَيْرُ مَذْمُومٍ، إذْ هُوَ قِسْمَانِ: حِسَابِيٌّ وَإِنَّهُ حَقٌّ وَقَدْ نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ. قَالَ تَعَالَى – {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} [الرحمن: ٥] أَيْ سَيْرُهُمَا بِحُسْبَانٍ. وَاسْتِدْلَالِيٌّ بِسَيْرِ النُّجُومِ وَحَرَكَةِ الْأَفْلَاكِ عَلَى الْحَوَادِثِ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدَرِهِ، وَهُوَ جَائِزٌ كَاسْتِدْلَالِ الطَّبِيبِ بِالنَّبْضِ عَلَى الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ، وَلَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ ادَّعَى عِلْمَ الْغَيْبِ بِنَفْسِهِ يَكْفُرُ اهـ “وَتَمَامُ تَحْقِيقِ هَذَا الْمَقَامِ يُطْلَبُ مِنْ رِسَالَتِنَا سَلِّ الْحُسَامِ الْهِنْدِيِّ [الحاشية ٢٤٣ /٤]
المالكية:
قال النفراوي: “لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ تَصْدِيقُ الْكَاهِنِ وَهُوَ الَّذِي يُخْبِرُ بِمَا يَقَعُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَا الْعَرَّافِ وَهُوَ الَّذِي يُخْبِرُ بِمَا وَقَعَ كَإِخْرَاجِ الْمُخَبَّآتِ وَكَتَعْيِينِ السَّارِقِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ دَعْوَى عِلْمِ الْغَيْبِ وَلَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ، وَلِذَا قَالَ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ صَدَّقَ كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا أَوْ مُنَجِّمًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّد)” . [الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (2/ 344)]
قال في منح الجليل: “وَحَرُمَ تَصْدِيقُ مُنَجِّمٍ وَيُقْتَلُ إنْ اعْتَقَدَ تَأْثِيرَ النُّجُومِ وَأَنَّهَا الْفَاعِلَةُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ إنْ أَسَرَّهُ ، فَإِنْ أَظْهَرَ ..
وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ فَمُرْتَدٌّ فَيُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ تَأْثِيرَهَا وَاعْتَقَدَ أَنَّ الْفَاعِلَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَجَعَلَهُمَا أَمَارَةً عَلَى مَا يَحْدُثُ فِي الْعَالَمِ فَمُؤْمِنٌ عَاصٍ .”
عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ يُزْجَرُ عَنْ اعْتِقَادِهِ وَيُؤَدَّبُ عَلَيْهِ وَيَحْرُمُ تَصْدِيقُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إلَّا اللَّهُ } وَلِخَبَرِهِ { مَنْ صَدَّقَ كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا أَوْ مُنَجِّمًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ } صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَغَيْرُ عَاصٍ عِنْدَ الْمَازِرِيِّ إذَا أَسْنَدَ ذَلِكَ لِعَادَةٍ أَجْرَاهَا اللَّهُ تَعَالَى لِحَدِيثِ (إذَا أَنْشَأَتْ بَحْرِيَّةً ثُمَّ تَشَاءَمَتْ فَتِلْكَ غُدَيْقَةٌ) [جامع الأصول] ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْقُدْسِيُّ وَهُوَ (أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي ، فَاَلَّذِي قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ ، وَاَلَّذِي قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ) فَهُوَ فِيمَنْ نَسَبَ الْفِعْلَ لِلنَّوْءِ بِهَذَا جَمَعَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَيْنَهُمَا . [منح الجليل شرح على مختصر سيد خليل ـ (3/ 496)]
قال الإمام القرطبي: “قال علماؤنا: وقد انقلبت الأحوال في هذه الأزمان بإتيان المنجمين، والكهان لا سيما بالديار المصرية، فقد شاع في رؤسائهم وأتباعهم وأمرائهم اتخاذ المنجمين، بل ولقد أنخدع كثير من المنتسبين للفقه والدين فجاءوا إلى هؤلاء الكهنة والعرافين فبهرجوا عليهم بالمحال، واستخرجوا منهم الأموال فحصلوا من أقوالهم على السراب (5) والآل، ومن أديانهم على الفساد والضلال.”
وكل ذلك من الكبائر، لقول عليه السلام: (لم تقبل لصلاة أربعين ليلة)
فكيف بمن أتخذهم وأنفق عليهم معتمدا على أقوالهم. [تفسير القرطبي (7/ 3)]
ويذكر أن رجلا كان عند الحجاج بن يوسف الثقفي منجما، فأخذ الحجاج حصيات بيده قد عرف عددها فقال للمنجم: كم في يدي ؟ فحسب فأصاب المنجم.
فأغفله الحجاج وأخذ حصيات لم يعدهن فقال للمنجم: كم في يدي ؟ فحسب فأخطأ، ثم حسب أيضا فأخطأ، فقال: أيها الامير، أظنك لا تعرف عدد ما في يدك ؟ قال لا: قال: فما الفرق بينهما ؟ فقال: إن ذاك أحصيته فخرج عن حد الغيب، فحسبت فأصبت، وإن هذا لم تعرف عددها فصار غيبا، ولا يعلم الغيب إلا الله تعالى. [تفسير القرطبي (4/ 290)]
الشافعية:
قال النووي: ” قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا نُهِيَ عَنِ إِتْيَانِ الكهان لِأَنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ فِي مُغَيَّبَاتٍ قَدْ يُصَادِفُ بَعْضُهَا الْإِصَابَةَ فَيُخَافُ الْفِتْنَةُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِسَبَبِ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يُلَبِّسُونَ عَلَى النَّاسِ كَثِيرًا مِنَ أَمْرِ الشَّرَائِعِ وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِالنَّهْيِ عَنْ إِتْيَانِ الْكُهَّانِ وَتَصْدِيقِهِمْ فِيمَا يَقُولُونَ وَتَحْرِيمِ مَا يُعْطُونَ مِنَ الْحُلْوَانِ وَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِي تَحْرِيمِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْبَغَوِيُّ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى تَحْرِيمِ حُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَهُوَ مَا أَخَذَهُ الْمُتَكَهِّنُ عَلَى كِهَانَتِهِ لِأَنَّ فِعْلَ الْكِهَانَةِ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَيَمْنَعُ الْمُحْتَسِبُ النَّاسَ مِنَ التَّكَسُّبِ بِالْكِهَانَةِ وَاللَّهْوِ وَيُؤَدِّبُ عَلَيْهِ الْآخِذَ وَالْمُعْطِيَ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حُلْوَانُ الْكَاهِنِ مَا يَأْخُذُهُ الْمُتَكَهِّنُ عَلَى كِهَانَتِهِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ وَفِعْلُهُ بَاطِلٌ قَالَ وَحُلْوَانُ الْعَرَّافِ حَرَامٌ أَيْضًا قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَرَّافِ وَالْكَاهِنِ أَنَّ الْكَاهِنَ إِنَّمَا يَتَعَاطَى الْأَخْبَارَ عَنِ الْكَوَائِنِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَيَدَّعِي مَعْرِفَةَ الْأَسْرَارِ وَالْعَرَّافُ يَتَعَاطَى مَعْرِفَةَ الشَّيْءِ الْمَسْرُوقِ وَمَكَانَ الضَّالَّةِ وَنَحْوِهِمَا وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ أَيْضًا فِي حَدِيثِ مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ فِي الْعَرَبِ كَهَنَةٌ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ لَهُ رِئْيًا مِنَ الْجِنِّ يُلْقِي إِلَيْهِ الْأَخْبَارَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي اسْتِدْرَاكَ ذَلِكَ بِفَهْمٍ أُعْطِيَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمَّى عَرَّافًا وَهُوَ الَّذِي يَزْعُمُ مَعْرِفَةَ الْأُمُورِ بِمُقَدِّمَاتِ أَسْبَابٍ اسْتَدَلَّ بِهَا كَمَعْرِفَةِ مَنْ سَرَقَ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ وَمَعْرِفَةِ مَنْ يُتَّهَمُ بِهِ الْمَرْأَةُ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّي الْمُنَجِّمَ كَاهِنًا قَالَ وَالْحَدِيثُ يَشْتَمِلُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ إِتْيَانِ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ وَالرُّجُوعِ إِلَى قَوْلِهِمْ وَتَصْدِيقِهِمْ فِيمَا يَدَّعُونَهُ هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَهُوَ نَفِيسٌ [شرح النووي على مسلم (5/ 22)]
(مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) أَمَّا الْعَرَّافُ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ أَنْوَاعِ الْكُهَّانِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ “الْعَرَّافُ هُوَ الَّذِي يَتَعَاطَى مَعْرِفَةَ مَكَانِ الْمَسْرُوقِ وَمَكَانَ الضَّالَّةِ وَنَحْوِهِمَا وَأَمَّا عَدَمُ قَبُولِ صلاته فمعناه أنه لاثواب لَهُ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ مُجْزِئَةً فِي سُقُوطِ الفرض عنه ولايحتاج مَعَهَا إِلَى إِعَادَةٍ وَنَظِيرُ هَذِهِ الصَّلَاةُ فِي الأرض المغصوبة مجزئة مسقطة للقضاء ولكن لاثواب فِيهَا كَذَا قَالَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا قَالُوا فَصَلَاةُ الْفَرْضِ وَغَيْرُهَا مِنَ الْوَاجِبَاتِ إِذَا أُتِيَ بِهَا على وجهها الكامل ترتب عليها شيئان سقوط الفرض عَنْهُ وَحُصُولُ الثَّوَابِ فَإِذَا أَدَّاهَا فِي أَرْضٍ مغصوبة حصل الأول دون الثانى ولابد من هَذَا التَّأْوِيلِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ متفقون على أنه لايلزم مَنْ أَتَى الْعَرَّافَ إِعَادَةُ صَلَوَاتِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَوَجَبَ تَأْوِيلُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ” [ٌشرح النووي على مسلم (14/ 227)]
وقال النووي : “وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (مَنْ أتَى كَاهِنًا فَصَدَّقهُ بِما يَقُولُ، أوْ أتى امرأةً في دُبُرِهَا، فَقَدْ بَريءَ ممَّا أُنْزِلَ عَلى مُحمدٍ – صلى الله عليه وسلم). [رواه أبو داود بإسناد ضعيف]، قال العلماء “فيحرم تعاطي هذه الأمورِ والمشيُ إليها، وتصديقُهم، ويحرم بذل الأموال لهم، ويجب على من ابتلي بشيء من ذلك المبادرةُ بالتوبة منه” [فتاوى النووي (ص: 233)]
قال ابن حجر: “وَوَرَدَ فِي ذَمِّ الْكَهَانَةِ مَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَخْرَجَهُمَا الْبَزَّارُ بِسَنَدَيْنِ جَيِّدَيْنِ وَلَفْظُهُمَا مَنْ أتَى كَاهِنًا وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ امْرَأَةً مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنَ الرُّوَاةِ مَنْ سَمَّاهَا حَفْصَةَ بِلَفْظِ مَنْ أَتَى عرافا وَأخرجه أَبُو يعلى من حَدِيث بن مَسْعُودٍ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ لَكِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِرَفْعِهِ وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ وَلَفْظُهُ مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ سَاحِرًا أَوْ كَاهِنًا وَاتَّفَقَتْ أَلْفَاظُهُمْ عَلَى الْوَعِيدِ بِلَفْظِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَّا حَدِيثَ مُسْلِمٍ فَقَالَ فِيهِ (لَمْ يُقْبَلْ لَهُمَا صَلَاةُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا) وَوَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِسَنَدٍ لَيِّنٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ (مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَمَنْ أَتَاهُ غَيْرَ مُصَدِّقٍ لَهُ لَمْ تُقْبَلْ صَلَاتُهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا) وَالْأَحَادِيثُ الْأُوَلُ مَعَ صِحَّتِهَا وَكَثْرَتِهَا أَوْلَى مِنْ هَذَا وَالْوَعِيدُ جَاءَ تَارَةً بِعَدَمِ قَبُولِ الصَّلَاةِ وَتَارَةً بِالتَّكْفِيرِ فَيُحْمَلُ عَلَى حَالَيْنِ مِنَ الْآتِي أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الْقُرْطُبِيُّ وَالْعَرَّافُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ مَنْ يَسْتَخْرِجُ الْوُقُوفَ عَلَى الْمُغَيَّبَاتِ بِضَرْبٍ مِنْ فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ أَحَدُهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ.” [فتح الباري لابن حجر (10/ 217)]
وقد عدَّه ابن حجر المكي من الكبائر فقال: “الْكِهَانَةُ وَالْعِرَافَةُ وَالطِّيَرَةُ وَالطَّرْقُ وَالتَّنْجِيمُ وَالْعِيَافَةُ، وَإِتْيَانُ كَاهِنٍ وَإِتْيَانُ عَرَّافٍ، وَإِتْيَانُ طَارِقٍ، وَإِتْيَانُ مُنَجِّمٍ، وَإِتْيَانُ ذِي طِيَرَةٍ لِيَتَطَيَّرَ لَهُ، أَوْ ذِي عِيَافَةٍ لِيَخُطَّ لَهُ” [ٌالزواجر ص463.]
الحنابلة:
قال البهوتي: “(ولا عبرة بقول المنجمين) في كسوف، ولا غيره مما يخبرون به.”
(ولا يجوز العمل به) لأنه من الرجم بالغيب فلا يجوز تصديقهم في شيء من إخبارهم عن المغيبات لحديث (من أتى عرافا) [كشاف القناع ج٢ص٦١]
وقال أيضاً: “و (لا) يكفر (من حكى كفرا سمعه و) هو (لا يعتقده) قال في الفروع: ولعل هذا إجماع.
وفي الانتصار: “من تزيا بزي كفر من لبس غيار وشد زنار وتعليق صليب بصدره حرم ولم يكفر…..
(ومن إطلاق الشارع – صلى الله عليه وسلم – كفر) دون كفر لا يخرج به عن الإسلام (كدعواهم لغير أبيهم، وكمن أتى عرافا فصدقه بما يقول فهو تشديد) وتأكيد.
(و) نقل حرب (كفر دون كفر لا يخرج به عن الإسلام) وقيل كفر نعمة، وقيل قارب الكفر وعنه يجب الوقف، ولا نقطع بأنه لا ينقل عن الملة وقال القاضي عياض وجماعة العلماء في قوله: «من أتى عرافا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد» أي جحد تصديقه بكذبهم، وقد يكون على هذا إذا اعتقد تصديقهم بعد معرفته بتكذيب النبي – صلى الله عليه وسلم – لهم كفرا حقيقة انتهى. ومنهم من حمل ذلك على من فعله مستحلا وأنكر القاضي جواز” [كشاف القناع ج٦ص ١٦٩]
وقال البهوتي: “قال في تصحيح الفروع والصواب رواية حنبل وحملها بعضهم على المستحل وروى عن أحمد أنه كان يتوقى الكلام في تفسير هذه النصوص تورعا ويمرها كما جاءت من غير تفسير مع اعتقاده أن المعاصي لا تخرج عن الملة “ [شرح منتهى الإرادات (3/ 397)]