الشبهة وردها بالفصيل:
مستلزمات القوامة:
الشبهة:
قال الله تعالى: {ٱلرّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنّسَاء بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوٰلِهِمْ فَٱلصَّـٰلِحَـٰتُ قَـٰنِتَـٰتٌ حَـفِظَـٰتٌ لّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ وَٱللَّـٰتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِى ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء:34].
يتصيّدُ أعداءُ الإسلامِ من قولهِ تعالى في هذا النّصِّ القرآنيِّ: {وَٱضْرِبُوهُنَّ} شبهةً ينتقدونَ بها تعاليمَ الإسلامِ وأحكامَهُ ليضلّوا بها الأجيالَ النّاشئةَ من فتيانِ المسلمينَ وفتياتهم.
الرد:
1- لمَّا اقتضَتْ الحكمةُ أن يكونَ الرجلُ هو القيّمُ على زوجتهِ ووليَّ أمرِهَا اقتضتْ أيضًا أن يكونَ لكلٍّ منهما حقوقٌ على الآخرِ وواجباتٌ نحوهُ.
ومن حقوقِ الزّوجِ على زوجتهِ أن لا تكونَ ناشزًا خارجةً عن طاعتهِ ما لم يأمرها بما فيهِ معصيةٌ لله، أو هضمٌ لحقوقها الّتي شرّفها اللهُ لها.
وأيةُ مؤسّسةٍ اجتماعيّةٍ لا بدَّ أن يكونَ في يدِ صاحبِ الأمرِ فيها وسائلٌ يضبطُ بها نظامَ هذه المؤسسةِ حتى لا تتعرّضَ للفوضى، فالفسادِ، فالتفكّكِ والانحلالِ.
وأبرزُ عناصرِ وحدةِ مؤسسةٍ اجتماعيّةٍ إنما هو عنصرُ طاعةِ أعضائها لصاحبِ الأمرِ فيها، والخروجِ عن هذهِ الطّاعةِ نشوزٌ يجعلُ المؤسّسةَ منحلّةً أو في حكمِ المنحلّةِ.
ولمَّا كانَ في طبائعِ النّاسِ نزوعٌ إلى التحرّرِ من قيودِ الطّاعةِ كانتِ المؤسساتُ الاجتماعيةُ الإنسانيةُ عرضةً للانحلالِ والتفككِ باستمرارٍ مالم تُهيمن على أفرادِها الضوابطُ الاجتماعيةُ المعنويةُ والماديةُ، ومن الضوابطِ الاجتماعيةِ الّتي تصونُ وحدةَ الجماعةِ وسائلُ التربيةِ والتأديب ِالتي تسمحُ بها الأعرافُ الإنسانيّةُ الكريمةُ.
وقد أرشدتِ الحكمةُ النظريةُ والتطبيقيةُ الناسَ إلى استخدامِ طائفةٍ من وسائلِ التربيةِ والتأديبِ، وهي تتفاوتُ فيما بينها رغبةً ورهبةً، ورفقًا وشدّة.
ويختارُ بعضُ أولي الأمرِ أسلوبَ العنفِ والقسوةِ فيفشلونَ، ويختارُ بعضهم أسلوبَ الرفقِ واللينِ باستمرارٍ فيتطاولُ عليهم الباغونَ المنحرفونَ، فينزعون منهم سلطانهم.
أما الحكماءُ العقلاءُ فيستخدمون َالوسائلَ كلَّها، إلا أنّهم يضعونَ كلاً منها في موضعهِ، وبذلكَ يسلمُ لهم الأمر، وهذا ما أرشدَ إليه الإسلام ُأولياءَ الأمورِ بشكلٍ عام.ٍّ
2- لقد أرشدَ الإسلامُ إلى استخدامِ وسائلِ التربيةِ والتّأديبِ الحكيمةِ، وجعلها على مراحل:
المرحلةُ الأولى: الموعظةُ، ولها درجاتٌ كثيرةٌ، تبدأُ بمعاريضِ القولِ والإشاراتِ الخفيفةِ والتّلويحِ، ثمَّ ترتقي إلى لفتِ النظرِ والتّنبيهِ والتصريحِ مع الرفقِ في الموعظةِ، ثم التصريحِ المصحوبِ بشيءٍ من العنفِ، ثمَّ الزجرِ والتعنيفِ، وأخيرًا قد تصلُ درجةَ التوبيخِ والإنذارِ.
المرحلةُ الثانيةُ: الهجرُ في المضطجعِ، وهو أبلغُ أنواعِ الهجرِ وعقابٌ ليس بالهيّنِ على زوجةٍ عاقلةٍ حريصةٍ على زوجها، وللهجرِ في المضطجعِ درجاتٌ بعضُها أقسى من بعضٍ، يعرفُها العقلاءُ الحكماءُ من الرجالِ. وجعلَ الإسلامُ الهجرَ لا يزيدُ على أربعةِ أشهرٍ: {لّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة:226]، وبعدَ ذلكَ إما أن يعودوا إلى معاشرتهنَّ، وإمّا أن يكونَ لزوجاتهم الحقُّ بأن يطالبنَ بالفراقِ.
المرحلةُ الثالثةُ: مرتبةُ الضّربِ غيرِ المبرّحِ الّذي لا يصلُ إلى أدنى الحدودِ الشرعيةِ.
فغالبُ الظّنِّ أنَّ أيَّ امرأةٍ توجَّهُ لها أشدُّ درجاتِ الموعظةِ فلا تستقيمُ ثمَّ تُهجَرُ أبلغَ أنواعِ الهجرِ فلا تستقيمُ أيضًا، إلّا أن تكونَ مبلّدةَ الحسِّ سيّئةَ العشيرةِ كريهةَ الطّبعِ، فهي تستحقُّ التّأديبَ بالضربِ، أو أن تكونَ كارهةً تبغي الفراقَ لكن لا تصرّحُ بهِ لغرضٍ في نفسها، فإذا كانت كارهةً راغبةً في الفراقِ فإنّ لديها من الوسائلِ ما يبلّغها مرادَها دونَ أن تكارهَ الزّوجَ بالنشوزِ والعصيانِ، ويمكنها أن تعرّبَ عمّا في نفسِها منذ استخدامِ المرتبةِ الأولى والثانية.
أمّا إذا لم تعلنْ رغبتَها بمفارقَتِه فالظاهرُ من أمرها أنّها امرأة ٌ إمّا أن تكونَ ممّن يصلحهنَّ الضربُ، أو أن يكونَ نصيبُها الفراقَ، إلا أنَّ إهانتَها بالفراقِ ووسمَها بأنّها امرأةٌ لا تصلحُ للمعاشرةِ الزّوجيّةِ أقسى عليها وأشدُّ من إهانتِهَا بالضّربِ غير المبرّحِ.
3- بالإضافةِ إلى ذلكَ فإنّ التّجاربَ النفسيّةَ قد دلّتْ أنَّ بعضَ الناسِ مصابونَ بانحرافٍ نفسيٍّ غريبِ المزاجِ، يلذُّ لهم أن يتلقّوا معاملةً قاسيةً مؤلمةً جسديّةً أو نفسيّةً، فلا يطيبُ مزاجُهم ولا يعتدلونَ إلّا بالضّربِ أو ما يشبههُ من مؤلماتٍ، وأكثرُ ما يكونُ هذا اللّونُ من الانحرافِ في صنفِ النساءِ، ويطلقُ عليهِ علماءُ النفسِ اسمَ (الماسوشزم).
4- إنَّ وجودَ التشريعِ الذي يأذنُ للزوجِ بتأديبِ زوجتهِ بالضّربِ في آخرِ المراحلِ لا يعني أنَّ هذا السّلاحَ سيستخدمهُ كلُّ زوجٍ، فمعظمُ الأسرِ المؤدّبةِ بآدابِ الإسلامِ لا تعرفُ في حياتها الهجرَ في المضاجعِ فضلاً عن الضربِ، لأنَّ التربيةَ الإسلاميّةَ العامّةَ للرجالِ والنساءِ متى ما استوفَتْ شروطَها فلا بدَّ أن تجعلَ الأُسرَ الإسلاميّةَ في وضعٍ من الوئامِ والتفاهمِ والودِّ لا يسمحُ بأكثر من استخدامِ الدرجاتِ الخفيفةِ من درجاتِ الموعظةِ التي يشتركُ فيها كلٌّ من الزوجينِ.