
شبهات المشككين: (زوجات النبي ﷺ)
2021-10-21
11- فَتَاوى مُعاصِرَةٌ: حكمُ تهنِئةِ النَّصارى بعيدِ الميلاد 2
2021-10-24
بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
المقالة بالتَّفصيل
منْ منَّا لم يقرَأ مرارَاً وتَكرارَاً تلكَ القصَّةَ العَظيمةَ الّتي سَرَدها لنا البيانُ الإلَهيُّ فِي سورةِ يــس، عَن ذلكَ الرَّجلِ الّذي لم يكُن رَسولاً ولا نَبيَّاً بل رجُلَاً أنارَ الإيمانُ قلبَهُ فوافَقَ الإيمانُ قيماً وأخلاقاً فِي نَفسِهِ أهّلَه لأنْ يذكرَ مع ثلاثةٍ مِنَ المُرسلَينَ فِي سُورةٍ هِيَ قلبُ القرآنِ1 وجَعلَت تلكَ الأخلاقُ اسمَهُ يُنقَلُ إلينا كاملاً مَع بُعدِ المُدَّةِ والزَّمَنِ .
لقد آمَنَ حَبيبٌ النَّجارُ برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قبلَ بِعثَتِهِ بِستمائةِ سنةٍ 2 .
سألْتُ نفسي كثيرَاً عن صِفَةٍ من صفاتِ هَذا الدَّاعيةِ الّذي زكَّاهُ خالِقُ السَّماواتِ والأرضِ، وتفكَّرْتُ في ذلكَ القلبِ الّذي حَوى تلكَ الرَّحمةَ الكُبرى، أَيُعقَلُ لرجلٍ قُتِلَ وَطْئاً بِالأقدامِ حتَّى خَرَجَ قَصَبُهُ مِن دُبُرِهِ، ثُمَّ يتمنَّى بعدَها لِقومِهِ الإيمانَ ويصفَحُ عمَّن قَتَلَهُ على هَذهِ الشَّاكِلَةِ الشَّنيعةِ ؟؟!!
وما ذلكَ لشيءٍ إلّا للإيمانِ باللهِ وَحدَهُ، ثمَّ بعدَ هذا الصَّفحِ تراهُ يتمنَّى لهم الهدايةَ لِيَصِلُوا إلى مَا وَصَلَ إلَيهِ ولِيَنالَوا منَ الخَيرِ ما نالَهُ مِنَ اللهِ مَولاهُ ربُّ العالمينَ !!
إنَّ قصَّةَ هذا الرُّجلِ المَجذومِ الّذي عبدَ الأصنامَ سَبعينَ سَنَةً يَرجوهم لِشِفَائِهِ، ثمَّ شفاؤُهُ بعدَ إيمانِهِ باللهِ تَعالى، ثمَّ ما كانَ عَلَيه حَالُهُ مِن قَسْمِ كَسبِهِ ((نِصفٌ يتصدَّقُ بهِ، ونصفٌ يُطعمُهُ أهلَهُ))أأأأأهبررنتن إلى غَيرِ ذلكَ ممَّا وردَ، يُظهِرُ لَنا عَدداً من صِفَاتِ الدَّاعي الحقيقيِّ الّذي لا يتكلَّمُ وينطِقُ بالدَّعوةِ فَحسب، بَل يعيشُهَا بِكُلِّهِ .
وسأوردُ إيرادَاً مَا يُستفادُ من صِفاتِ صَاحبِ يَاسينَ 3 هذا في الآياتِ الثَّمان الّتي تحدَّثَتْ عن خَبَرِهِ مع قَومِهِ.
- أوَّلُ هذهِ الصِّفاتِ: الرُّجولةُ: ومَا أعزَّها مِن صِفَةٍ وأندَرَها في أزمنَةِ اللهثِ وراءَ الشَّهواتِ.! فالرُّجولةُ شَيءٌ والذُّكورَةُ شَيءٌ آخَرُ. والرَّجلُ حقُّ الرّجلِ هُوَ الّذي يغلبُ نفسَهُ ويكبَحُ شهواتِهِ ويجعلُها تحتَ سلطانِ عقلهِ .
- ثانيها: الهمَّةُ: الّتي كانَتْ عندهُ حيثُ وصَفَهُ اللهُ تَعالى بِأنَّهُ يَسعى، أي يَأتي عَدْوَاً مِن أقصى مَدينةِ أنطاكية؛ فَهوَ ذو نشاطٍ وعزمٍ وعزيمةٍ .
- ثالثها: الحوارُ بلغة ِالعقلِ: فليسَ فعلُهُ وكلامهُ مبنيٌّ على تَعصُّبٍ لفئةٍ أو انحيازٍ إلى جماعةٍ، بل دعوتُهُ مبنيَّةٌ على إقناعٍ وحُجَّةٍ. فَهُو يُبيِّنُ لِقَومِهِ أنَّ من يبذلُ النَّصيحةَ ولا يَطلبُ أجراً على هذا الصَّنيعِ الحَسَنِ، لا بُدَّ أن يكونَ صَادِقاً فيمَا يَدعُو إلَيهِ. كَذلكَ يُبيّنُ عقلاً أنَّ من يَستَحِقُّ العِبَادةَ حقَّاً هوَ الّذي أنشأَ وفَطَرَ الأشياءَ مِنَ العَدَمِ، وهوَ الّذي إذا أرَادَ أمراً لَم يقمْ في مقابِلِ أمرِهِ موجودٌ كائنَاً ما كَانَ .
- رابعها: الصَّلابةُ في أمرِ الدّينِ: إذ لَم يَكتُمْ إيمانَهُ ولم يُوارِب أو يَتَستَّرْ بل أعلَنَها أمَامَهم “إنّي آمنْتُ بربِّكُم ….” .
- خامسها: الشجاعةُ: حيثُ قالَ “فاسمعون” فَهوَ نَاطِقٌ بالحَقِّ يَصدعُ بِهِ دونَ جبنٍ أو خَوفٍ . بل لقد بذلَ نفسَهُ رخيصَةً لِيوصلَ الدَّعوةَ إلى مُستَمِعِيهِ .
- سادساً: الرحمةُ: وقد فَصَّلْتُ في هذهِ الصّفةِ في الأسطرِ السّابقةِ .
- سابعاً: الكرمُ: حيثُ وردَ من قِصَّتهِ كَما أسلَفْتُ أنَّه يتصدَّقُ بنصفِ كَسْبهِ ويُنفِقُ النِّصفَ الآخَرَ علَى أَهلِهِ .
أَختُمُ مَقَالَتِي بِالإشَارَةِ إلى أنَّ الدَّعوةَ لَيسَتْ كِتابةً أو قِراءةً أو خُطبَةً فَحسب، بَل هِيَ امتزاجُ أوصافٍ كَريمةٍ فِي نُفوسٍ شَريفةٍ، وإيمانٌ راسِخٌ في قَلبٍ مُنيرٍ .
وكتبه الأستاذ مهند الصَّاغرجي
دمشق الشام 11/ ربيعُ الأنوارِ/ 1443هـ.
——————–
- عَنْ معقلِ بنِ يَسارٍ رَضيَ اللهُ عنهُ أنَّ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم قالَ: قلبُ القرآنِ يـس لا يَقرؤهَا رَجلٌ يُريدُ اللهَ والدَّارَ الآخِرَةَ إلّا غَفَرَ اللهُ لَهُ. اقرَؤوهَا عَلى مَوتَاكُم. رواه أحمد وأبو داوود والنسائي .
- ذكرَ ذلكَ القرطبيُّ وابنُ كثيرٍ والبيضاويُّ وغيرهم من المفسرين .
- وصفه بذلك سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما فيما ورد عنه .